بوعلام صنصال بعد عام من السجن: حرّ الجسد… مقيّد الكلمة

أضيف بتاريخ 11/25/2025
منصة الجنوبية


يظهر الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، بعد عام كامل من الاعتقال في الجزائر، كرجل استعاد حريته الجسدية لكنه لم يستعد بعد حرية كلمته بالكامل، كما اعترف بذلك بنفسه في مقابلة تلفزيونية على قناة فرنسية حين قال إنه «يُراقب كل كلمة» وأن حديثه لم يعد «طبيعياً» بسبب الخوف على أسرته إذا اضطر إلى العودة إلى بلده. هذه الرقابة الذاتية التي يمارسها اليوم، يقدّمها صنصال كامتداد غير مرئي لتجربته في السجن، حيث يظل شبح القمع حاضراً في وعيه حتى وهو في المنفى. 

في حواره المطوّل مع صحيفة لوفيعارو الفرنسية، يروي الكاتب تفاصيل اعتقاله في مطار الجزائر: تكبيل اليدين، وضع غطاء على الرأس، نقل إلى غرفة فارغة، ثم ستة أيام من الاستجوابات المرهقة التي رفض خلالها التعريف بنفسه ما لم تُعرّف السلطات عن نفسها أولاً، في مشهد يعكس ما يسميه «منطق الرهينة» أكثر من منطق العدالة. بعد نقله إلى السجن، يقول إنه خضع لـ«معاملة خاصة» مقارنة ببقية المعتقلين، من حيث ظروف الاحتجاز والرعاية الطبية، وهو ما يربطه بالضغوط الدبلوماسية التي مارستها برلين ثم باريس على النظام الجزائري، حتى لو ظل مقتنعاً بأن ثمن هذه «المعاملة المميّزة» كان الصمت المفروض عليه اليوم. 

يحكي صنصال كيف كان يلقَّب داخل السجن بـ«الأسطورة»، في إشارة إلى صورته كمعارض يحظى بدعم قوى غربية عدة، ويشير إلى أنه استفاد من امتيازات نادرة مقارنة بالمعتقلين الآخرين: حمّام يومي بدلاً من مرة كل عشرة أيام، وإمكانية الحصول على الكتب وورق وأقلام للكتابة. قضى وقته في قراءة فيكتور هوغو وموباسان ومونترلان، وفي كتابة رسائل إلى الرئيس الجزائري يحذّره فيها من عزلة بلاده ويدعوه إلى التعويل على فرنسا لفك هذه العزلة، في موقف يختلط فيه هاجس إنقاذ الجزائر بالخوف من أن تنكسر علاقتها نهائياً مع أوروبا

مع ذلك، يقرّ الكاتب بأن الجزائر التي عرفها لم تعد مكاناً يمكنه العيش فيه، مشيراً إلى «قوة الإسلاميين» ونفوذهم المتغلغل في المجتمع والمؤسسات، ما يجعل عودته للإقامة هناك شبه مستحيلة في نظره، حتى لو يقول إنه يرغب في العودة «مرة واحدة على الأقل» لسبب رمزي، وللاسترجاع المادي لجزء من حياته: حاسوبه الشخصي الذي يضم عشرين عاماً من العمل الأدبي والفكري. بين خوفه على عائلته، وشعوره بالوفاء لبلده الأم، ورغبته في مواصلة معركته من الخارج، يرسم صنصال صورة معقّدة لمنفى حديث يختلط فيه التحرر بالنفي، والبطولة الأدبية بحسابات دقيقة مع أنظمة لا تتسامح مع الكلمة الحرة.