شهدت قمة هرم الاستخبارات الداخلية في الجزائر تطورًا لافتًا مع تعيين اللواء مونيـر زاهي نائبًا للواء حسّان، المدعو مدنيًا عبدالقادر آيت وعرابي، على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي. القرار صدر في أجواء من التكتم، على غرار إعادة استدعاء حسّان نفسه إلى الواجهة في الربيع الماضي، ويكرّس مرة أخرى دور قائد أركان الجيش، الفريق أول سعيد شنقريحة، في إعادة تشكيل معادلة القوة داخل أجهزة الأمن، ولا سيما في شقّ مكافحة التجسس والأمن الداخلي.
التعيين جاء بعد نهاية أسبوع حافل بالتكهنات في الأوساط الإعلامية والديبلوماسية في العاصمة الجزائرية؛ إذ راجت شائعات عن استقالة حسّان احتجاجًا على فرض نائب له، وأخرى عن إبعاده الوشيك من قيادة الجهاز، مقابل روايات تتحدث عن سفره للعلاج في الخارج. غير أن تسمية زاهي في منصب الرجل الثاني أظهرت في النهاية أن الأمر يقع في إطار ترتيب داخلي مضبوط، إذ تفيد التسريبات بأن حسّان نفسه لم يكن بعيدًا عن هذا الخيار، وأن العلاقة بينه وبين نائبه الجديد محكومة بمرجعية مشتركة هي القرب من شنقريحة أكثر من أي اعتبار تنافسي داخل الجهاز.
يأتي مونيـر زاهي من خلفية عسكرية مختلفة عن المسار الاستخباري الكلاسيكي، فهو ضابط قادم من سلاح الطيران، تدرّب في مدارس عسكرية أمريكية، وتخصص في إدارة الحوار والتنسيق مع الشركاء الغربيين، وخصوصًا الولايات المتحدة. يُدرج اسمه ضمن ما يوصف داخل المؤسسة العسكرية بـ«رجال شنقريحة»، أي الحلقة المقرّبة التي أوكلت إليها ملفات حساسة، بينها ملف الحوار العسكري مع واشنطن؛ فقد شارك قبل أعوام في رئاسة حوار عسكري مشترك في العاصمة الأمريكية إلى جانب مسؤولة أمريكية رفيعة تُعنى بشؤون إفريقيا في البنتاغون. هذا المسار يجعل من وجوده في موقع نائب مدير الأمن الداخلي إشارة إلى رغبة في ربط مكافحة التجسس الداخلي بتوازنات التعاون الأمني الخارجي، ولا سيما مع الشريك الأمريكي.
في المقابل، يجسد حسّان صورة الضابط الجزائري المخضرم في ملف مكافحة الإرهاب. يبلغ من العمر أربعة وسبعين عامًا، ويحمل رصيدًا ثقيلاً من العمل الميداني خلال سنوات العنف المسلح، قبل أن يدخل في مواجهة حادّة مع قيادة الجيش السابقة برئاسة أحمد قايد صالح، انتهت بسجنه خمس سنوات في أعقاب تحميله مسؤولية الإخفاق في تسيير أزمة احتجاز الرهائن في منشأة تيقنتورين الغازية سنة 2013. عودته إلى الواجهة بعد 2020، ثم تعيينه على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي، تعكسان رغبة القيادة الحالية في استعادة خبرات قديمة مع إعادة توظيفها ضمن توازن جديد يضمن ولاء الجهاز لقيادة الأركان أكثر مما يربطه برئاسة الجمهورية أو مراكز نفوذ مدنية متقلبة.
على هذا الأساس، يعبّر الثنائي حسّان – زاهي عن صيغة مركّبة تجمع بين خبرة الحرب على الإرهاب على الأرض ورؤية استراتيجية أكثر ارتباطًا بالتعاون العسكري الدولي، بما يسمح بإعادة هيكلة جهاز الأمن الداخلي على قاعدة مزدوجة: ضبط الساحة الداخلية في مواجهة التهديدات المتحوّلة، من التطرف إلى الاحتجاجات الاجتماعية، وربط هذا الضبط بشبكات تبادل المعلومات مع القوى الغربية. وفي خلفية هذه الهندسة، يحضر هاجس مركزي يتمثل في إحكام قبضة قيادة الأركان على مفاصل الاستخبارات، بعد مرحلة سابقة طُبعت بصراعات أجنحة وبصورة سلبية لبعض المسؤولين الأمنيين الذين وُجهت إليهم انتقادات بالتسييس المفرط أو بالتماهي مع التدخلات الرئاسية.
تكشف هذه الحركة عن استمرار إعادة تشكيل الحقل الأمني الجزائري في مرحلة ما بعد الحراك الشعبي، حيث تحاول المؤسسة العسكرية أن توازن بين استمرار القبضة الصارمة على أجهزة الأمن من جهة، وفتح قنوات محسوبة مع الشركاء الدوليين من جهة أخرى، في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية المرتبطة بعدم الاستقرار في الساحل والصحراء، وبالتوترات مع الجوار المباشر. تعيين نائب قوي على رأس جهاز حساس مثل المديرية العامة للأمن الداخلي يترجم هذا السعي إلى بناء قيادة ثنائية منسجمة، هدفها حماية استقرار النظام السياسي أكثر مما هو مجرد تحديث إداري لهيكلية الاستخبارات.


