تحوّلت قضية الصحراء إلى البوصلة الجوهرية التي توجه هوية المغرب السياسية على الساحة الدولية، وفق دراسة روسية حديثة نشرت في جامعة موسكو للعلاقات الدولية. فبعد عقود من اعتبارها ملفاً إقليمياً يختصر على الحدود والدبلوماسية، أصبحت اليوم رمزاً لوجود الدولة المغربية، وتكمن وراءها شرعية المملكة وسلوكها الخارجي.
يشير الباحث تمور كاديرمامبيتوف إلى أن القيادة المغربية عززت فكرة الهوية كأداة دبلوماسية فاعلة، حيث شكّل الدفاع عن الصحراء محور الوحدة الوطنية واستمرار الاستقرار السياسي القائم منذ قرون حول المؤسسة الملكية. ذلك ما جعل من قضية الصحراء "لا يمكن النقاش حولها" في عقلية الدولة المغربية، رغم متغيرات الجوار والتفاعلات الإقليمية، خصوصاً مع الجزائر التي يرى فيها المغرب تهديداً دائماً متجذراً منذ حرب الرمال سنة 1963 بسبب دعمها المستمر لجبهة البوليساريو.
وعلى مستوى القارة الأفريقية، نجح المغرب في قلب المعادلة الدبلوماسية بعد عودته القوية إلى الاتحاد الأفريقي سنة 2017، بعدما غادر منظمة الوحدة الأفريقية عام 1984 احتجاجاً على قبول عضوية "الجمهورية الصحراوية". يعد هذا التحول فصلاً جديداً في خطاب المغرب حول قضية الصحراء، إذ تم تعزيز الدعم الأفريقي عبر الشراكات المتعددة والبراغماتية بدل المواجهة المباشرة.
اعتمدت المملكة أيضاً على أدوات القوة الناعمة، مثل التعاون الديني وتكوين الأئمة الأفارقة وتصدير نموذج الإسلام المعتدل، لبناء ما يسميه الباحث "الأمن الروحي" وتعميق نفوذها في أفريقيا ودعم موقفها حول الصحراء.
في السياق الأوروبي، غيّرت إسبانيا وفرنسا من موقفيهما لصالح مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وتكثف الدعم الدبلوماسي لسيادة المغرب خاصة بعد تصريحات ماكرون في الرباط عام 2024 وإعلان إسبانيا دعمها سنة 2022. وكانت واشنطن قد اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء في 2020 إبان ولاية الرئيس دونالد ترامب، وهو ما اعتبرته الرباط انتصاراً استراتيجياً عزز تعاملها المرن والعميق مع التحولات الدولية.
يلخّص الباحث النهج المغربي بأنه أسلوب حديث في السياسة الخارجية، يمزج بين المرونة والرمزية والبراغماتية، ما أتاح للمملكة إعادة صياغة هويتها وصورة موقعها في العالم عبر قضية الصحراء.


