تعيش الجزائر على وقع أزمة سياسية وأمنية عاصفة بعد هروب الجنرال عبد القادر حداد، المعروف بلقب ناصر الجِنّ، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (DGSI)، الذي أكد الإعلام الإسباني وصوله إلى منطقة أليكانتي رفقة مهاجرين، حيث سلّم نفسه وطلب الحماية بدعوى تعرضه لخطر التصفية في بلده. ومنذ فراره ليلة 17 إلى 18 سبتمبر 2025، تعيش العاصمة الجزائرية وأجهزتها الأمنية حالة استنفار قصوى، تضمنت إغلاق طرق، انتشارا أمنيا موسعا، وعمليات بحث وتفتيش غير مسبوقة، أبرزت عمق الارتباك في أعلى دوائر النظام.
غياب الشفافية، وتعاقب الإشاعات بين أنباء عن اعتقاله أو تسليمه نفسه أو بقائه هاربًا، ترافق مع صمت رسمي جزائري وارتباك إعلامي كبير، ما فجّر جدلًا علنيًا حول "هشاشة" النظام أمام تصدعات جسمه الأمني. فقد اضطُر الرئيس عبد المجيد تبون لإلغاء مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة وسط اعتراف ضمني بحجم الصدمة الاستراتيجية التي شكلها انشقاق ضابط رفيع متهمٍ بمعرفة تفاصيل حساسة عن صراعات الأجهزة والشبكات الاقتصادية والعسكرية للسلطة.
ناصر الجِنّ، ذو المسار المثير والغامض، كوّن سمعته خلال "العشرية السوداء" كأحد كبار قادة الحرب ضد الجماعات المسلحة وارتبط اسمه بعمليات عنيفة واتهامات بجرائم وتعذيب واختراقات معقدة لصالح الدولة. بعد سقوط بعض قادة الأجهزة، وعقود من العمل في الرصد الأمني، أُقيل حداد عام 2025 ودخل في حالة إقامة جبرية حازمة قبل أن ينجح بطريقة غامضة في الإفلات من الرقابة، بمساعدة محتملة من أجهزة أو أفراد متنفذين، حسب تقديرات إعلامية.
مصادر عديدة أكدت أن السلطات تخشى ما يحمله الجنرال الهارب من أسرار حول سنوات "التصفية وتصفية الحسابات" داخل الدولة وأجهزتها، إضافة لإشارات عن تورط أسماء كبرى في قضايا فساد وصفقات ومحاولات اختطاف معارضين بالخارج. مشهد الهروب لم يعد مجرد ملف أمني بل تجاوز ذلك ليكشف شروخ التوازنات الداخلية في هرم السلطة وأعاد إلى الواجهة سيناريوهات صراع الأجنحة، مع غليان الجبهة الاجتماعية والسياسية، وانشغال الشارع الجزائري بانعكاسات هذه القضية على صورة وهيبة البلاد داخليا وخارجيا.