رغم التوترات السياسية المتكررة بين الجزائر وفرنسا، إلا أن الواقع الاقتصادي يفرض منطقه على البلدين، ويجعل من القطيعة التامة خيارًا غير واقعي بالنسبة للجزائر. فالعلاقات الاقتصادية بين البلدين عميقة ومتجذرة في قطاعات حيوية يصعب تعويضها
تشير أحدث الأرقام إلى أن حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا بلغ حوالي 7 مليارات يورو سنويًا. تشمل مجالات الطاقة، البنية التحتية، الاتصالات، والصناعات الغذائية. وتظل فرنسا ثاني شريك تجاري للجزائر، وأحد أكبر المستثمرين الأجانب خارج قطاع المحروقات. وتستورد الجزائر من فرنسا معدات صناعية، أدوية، منتجات زراعية، سيارات وخدمات تكنولوجية. وهي قطاعات يصعب على الجزائر إيجاد بدائل نوعية لها في الوقت الراهن.
يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على تصدير المحروقات، حيث تمثل نحو 80% من صادراته إلى فرنسا. وخاصة الغاز الطبيعي المسال الذي يحتل مكانة استراتيجية في واردات فرنسا الطاقوية عام 2025، إذ بلغت حصة فرنسا 26.8% من صادرات الجزائر من الغاز المسال في مايو الماضي. هذه الأرقام تعكس مدى تشابك المصالح، ففرنسا وإن استطاعت تنويع مصادرها الطاقوية تدريجيًا، إلا أن الجزائر تجد صعوبة أكبر في تنويع شركائها التجاريين بنفس الوتيرة، خاصة في ظل المنافسة الشديدة من الصين وإسبانيا وإيطاليا.
التوترات السياسية الأخيرة أثرت بالفعل على المبادلات. في الأشهر الأولى من 2025، تراجعت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر بنسبة 18%، وتعرضت شركات فرنسية للإقصاء من بعض المناقصات، خاصة في قطاع الحبوب. لكن رغم ذلك، أبدى الفاعلون الاقتصاديون في البلدين رغبة واضحة في الفصل بين السياسة والاقتصاد. حيث استمرت اللقاءات والمنتديات الثنائية، وتم توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات النقل والطاقة.
الاعتماد المتبادل بين الجزائر وفرنسا يجعل من القطيعة الاقتصادية مخاطرة كبيرة، خاصة بالنسبة للجزائر التي لا تزال بحاجة إلى التكنولوجيا، الخبرة، والاستثمارات الفرنسية لدعم مشاريعها في التصنيع، الصحة، البنية التحتية والطاقة المتجددة. كما أن تراجع الاستثمارات الفرنسية قد يفاقم من تحديات البطالة والنمو الاقتصادي في الجزائر.
رغم كل الصعوبات السياسية، تظل العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا ضرورة استراتيجية لا يمكن للجزائر أن تتخلى عنها بسهولة. فمصالحها الحيوية ومشاريعها التنموية مرتبطة بشكل وثيق بهذا الشريك الأوروبي التاريخي، وأي قطيعة ستكون مكلفة اقتصاديًا واجتماعيًا للجزائر قبل فرنسا