يبرز المغرب اليوم كفاعل رئيسي في الأمن الإقليمي بفضل استراتيجية عسكرية تقوم على ركيزتين: التقارب العملياتي مع فرنسا والتوافق العقائدي مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). يمثل هذا التوجه تطوراً ملحوظاً في موقف القوات المسلحة الملكية، التي لم تعد تكتفي بالدفاع الوطني المنعزل، بل أصبحت جزءاً من هيكل جماعي حديث وقابل للتشغيل المتبادل.
تجسد مشاركة الفرقاطة محمد السادس في مناورات المجموعة الجوية البحرية الفرنسية حول حاملة الطائرات شارل ديغول التعاون البحري بين الرباط وباريس. لا يعد هذا مجرد تمرين روتيني، بل هو إظهار لقدرات القوات المسلحة الملكية على العمل مع القوات الفرنسية والأوروبية في تمارين عالية الكثافة، تشمل الدفاع الجوي ومكافحة الغواصات وعمليات القيادة المتكاملة وفقاً لمعايير الناتو. يعكس هذا التجميع للموارد والاستخبارات وبروتوكولات الاتصال نضجاً عملياتياً يضع المغرب كشريك موثوق قادر على الاندماج في التحالفات الدولية.
عقدت الرباط مؤخراً دورة تقنية حول قابلية التشغيل البيني العسكري، مع التركيز على تبني معايير الناتو. يهدف هذا النهج إلى مواءمة العقيدة والقدرات مع المتطلبات الغربية. يؤكد نجاح وحدة مغربية في تقييم قابلية التشغيل البيني للناتو - وهو الأول من نوعه في إفريقيا - ديناميكية تحول القوات المسلحة الملكية، المعترف بها كمساهم محتمل في عمليات الحلف. تتضمن هذه العملية تحديث المعدات والهياكل والتدريب، بالإضافة إلى التكيف المستمر مع التطورات التكنولوجية والاستراتيجية.
يستثمر المغرب في حلول تكنولوجية متقدمة، مثل برنامج TRAX للقيادة المشتركة (JADC2) وأنظمة الإرسال المشفرة، مما يضمن زيادة الاتصال وسرعة الاستجابة في ساحة المعركة. يمكّن دمج مفاهيم C4ISR وC5ISR، بما في ذلك البعد السيبراني، القوات المسلحة الملكية من مواجهة التهديدات الهجينة وغير المتماثلة، مع ضمان تنسيق مركزي للعمليات.
يعكس هذا الارتباط المزدوج رؤية سياسية مغربية تجمع بين السيادة الاستراتيجية والتكامل الأمني، قادرة على لعب دور المستقر في منطقة تتزايد فيها التوترات، من الساحل إلى البحر المتوسط، متجاوزة البعد العسكري. يندرج التعاون العسكري مع فرنسا، القائم على الثقة والتقاليد والاحترام المتبادل، في منظور مستدام، معزز بدعم باريس للسيادة المغربية على الصحراء والإرادة المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية.
من خلال الالتزام بمعايير الناتو وتعزيز شراكاته التاريخية، يضع المغرب نفسه كمحور استراتيجي، مرن وموثوق، للدفاع الجماعي الإقليمي. تمنح هذه الاستراتيجية ذات الارتكاز المزدوج، بين باريس والحلف الأطلسي، القوات المسلحة الملكية مكانة جديدة، ذات سيادة في خياراتها ومتكاملة في آليات الأمن الدولية.