كان 2025 في المغرب يدفع اقتصاد الرياضة الأفريقي

أضيف بتاريخ 12/16/2025
مع Éco d'ici éco d'ailleurs

تتحول كأس أمم أفريقيا 2025 في المغرب إلى اختبار عملي لفكرة الرياضة كقطاع اقتصادي كامل، لا مجرد منافسة على اللقب. ما يجري على الأرض يتجاوز الملاعب إلى منظومة أوسع: بنى تحتية تربط المدن، طاقة فندقية متدرجة لميزانيات مختلفة، وسلسلة قيمة تمتد من حقوق البث والرعاية إلى السياحة الرياضية والرياضات الإلكترونية. 



في المغرب، تتداخل سياسات الاستثمار طويلة الأمد مع استضافة «الكان»: إعادة بناء أربعة ملاعب وتحديث البقية، تجهيز معسكرات تدريب متكاملة لكل منتخب، وخطة نقل طموحة بتمديد القطار فائق السرعة نحو مراكش، مع مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمطارات بحلول 2030. الأهم أن الملاعب تُصمم كوجهات حضرية تربط الرياضة بالضيافة والترفيه والتجارة، لتقليل خطر «الفيلة البيضاء» بعد إسدال الستار على الحدث. المعادلة المالية لا تقف عند تكلفة التشييد؛ ما يحسم العائد لاحقاً هو البرمجة المستمرة، وتوازن الإدارة بين «خدمة عامة» واستدامة تشغيلية.

التجربة الإيفوارية والكاميرونية تُظهر الوجهين: إنفاق يفوق المليار دولار في أبيدجان مقابل صعوبات تشغيلية في دوالا عند غياب خطة ما بعد البطولة. لذا تتقدم أسئلة الحجم والحاجة: هل نحتاج مدرجات بـ50 ألف مقعد أم تكفي منشآت مرنة أصغر؟ وكيف تُبنى سلاسل الإيراد حول الاستاد — من الفعاليات إلى التجزئة — بحيث يبقى الأصل منتجاً للقيمة؟

خارج الملاعب، يتسارع ربط القطاع الخاص بالمشهد: من شركات طيران تقدم عروضاً لجماهير «الكان» إلى اتحاد مغربي يجذب شركاء تجاريين بكثرة. ويتسع الطيف ليشمل الاستثمار في المواهب: نماذج صناديق تمويل للكشف والتكوين مثل DetectProFund التي انطلقت بشراكات مع PSG Academy في دكار ثم توسعت إلى امتياز تدريبي مع AC ميلان في ديمبوكرو. جوهر النموذج اقتصادي-اجتماعي معاً: تمويل تكوين لاعبين من بيئات محدودة الدخل واسترداد الاستثمار عبر آليات تضامن وتعويضات التدريب عند انتقالاتهم، مع توسيع الملكية إلى أصول متعددة (أكاديمية، أندية، وذراع تجاري للسفر أو التجارة المرخصة) لتوزيع مصادر الدخل وتقليل المخاطر.

الرياضات الإلكترونية تدخل الصورة كرافعة موازية. السوق العالمي للـGaming وeSports يتجاوز 200 مليار دولار، والقارة تُراكم فجوة في تطوير الألعاب لكنها تملك فرصة واضحة في صناعة المنافسة وتخريج «رياضيين رقميين»، خاصة على الهواتف المحمولة. شراكات مثل اتفاقية CAF مع Konami لإطلاق منافسات eFootball بالتوازي مع البطولات الواقعية تُقرّب الفجوة وتبني جمهوراً ومهارات تنظيمية، شرط تحسين البنية الرقمية محلياً وخلق فضاءات ممارسة مهيأة.

خارطة الدخل في الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة ستتشكل من ثلاثة محركات رئيسية:

  • الإعلام والبث: صفقات تركيز في التلفزة المدفوعة، ونمو منصات OTT التي تجعل الهاتف شاشة الرياضة الأولى لدى الجمهور الأفريقي، مع بروز الأندية واللاعبين كمصادر محتوى قابلة للربح المباشر.

  • الرعاية التجارية: شراكات ذات اتساق سياسي وبيئي أصبحت معياراً، ما يرفع جودة العلامات المشاركة ويخلق فرصاً أطول أمداً.

  • السياحة الرياضية: الزائر الرياضي ينفق عادة أكثر من السائح التقليدي بنسبة 20–30%؛ من المشاركة في ماراثونات دولية إلى السفر لحضور بطولات إقليمية، ما يعزز سلاسل القيمة المحلية في الضيافة والنقل والتجزئة.

على الضفة الأخرى من المتوسط، تقدّم السعودية نموذج تسريع عبر رأس المال المنظّم واستقدام نجوم عالميين، بالتوازي مع بناء منظومة أكاديميات وتوسيع الاستثمار في منافسات مبتكرة كـ«Kings League» واستضافة كأس عالم للرياضات الإلكترونية. الدرس المهم للقارة هو المزج بين جذب الانتباه سريعاً وبناء قاعدة محلية مولدة للدخل.

«الكان» في المغرب ليس حدثاً معزولاً، بل حلقة في سلسلة إعادة تعريف اقتصاد الرياضة الأفريقي. عندما تُستكمل عناصر البيانات الموثوقة، وتأهيل رأس المال البشري، والوصول إلى تمويل ميسّر، تصبح الرياضة منصة لتنمية المهارات وفرص العمل، ومجالاً استثمارياً منتجاً، من كرة القدم إلى الـeSports، مروراً برياضات القتال والـPadel، مع قدرة على تصدير منتجات ومرخصات (Merchandising) تصنع في غرب أفريقيا بدل استيرادها من آسيا. هذه هي القيمة الحقيقية: بناء منظومات تدوم بعد صافرة النهاية.