غرب أفريقيا بين الانقلابات وتمدد الجهاديين

أضيف بتاريخ 12/16/2025
منصة الجنوبية

يشهد شمال بنين والممرات الحدودية مع النيجر ونيجيريا تحولات أمنية وسياسية متسارعة تكشف تداخل الانقلابات العسكرية وتمدد التنظيمات الجهادية. محاولة الانقلاب الأخيرة في بنين، بقيادة الضابط باسكال تيغري، وإن فشلت بعد ساعات من الاشتباكات، أعادت فتح ملفات الاحتقان داخل المؤسسة العسكرية، وامتعاض الوحدات القتالية من غبن الترقيات، في ظل تصاعد الضغط على الجبهات الشمالية وتقييد الفضاء السياسي.



في بنين، حيث تنتظر البلاد انتخابات رئاسية في أبريل المقبل، جاءت المحاولة في توقيت حرج يعكس هشاشة التوازن بين إصلاحات مؤسسية مثيرة للجدل وتشدّد أمني غذّاه توسّع العنف الجهادي في أقاليم الشمال مثل أليبوري وأتاكورا ودونغا. الخطاب الذي تبنّاه تيغري على التلفزيون ركّز على “فشل الأمن في الشمال”، في صدى واضح لسرديات سبق أن رفعتها انقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. خلف هذا السرد، تتفاعل شكوى قديمة في جيوش المنطقة: وحدات “واجهت النار” تشعر بأن من يُسمّون “ضباط العاصمة” يحصدون الترقيات والامتيازات.

إقليمياً، يتقاطع التصعيد مع تشكّل جبهة جديدة على حدود بنين والنيجر ونيجيريا، حيث تنشط جماعات تابعة لتنظيم القاعدة عبر “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM) وكاتبتها البارزة “ماسينا”، إضافة إلى حضور الدولة الإسلامية في بؤر متقطعة، وصعود مجموعات محلية في شمال غرب نيجيريا. في بنين تحديداً، تتسع الرقعة شمالاً مع محاولات اختراق نحو بورغو، وتداخل لافت مع مجموعات عبرية على الضفة النيجيرية. هذا الامتداد لا يقوم على “ملاذات” ثابتة بقدر ما يستند إلى مناطق عبور وخطوط لوجستية تُغذّي مسارح القتال في الساحل.

تحالف دول الساحل (AES) الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر عاجز حتى الآن عن كبح هذا الزحف؛ الانقسام مع مجموعة إكواس (ECOWAS) قوّض آليات التعاون الحدودي، فيما ظل الإنجاز العسكري داخل دول التحالف نفسها محدوداً. في مالي، ورغم التحوّل من “فاغنر” إلى “أفريكا كوربس” المرتبطة رسمياً بوزارة الدفاع الروسية، بقي التأثير الفعلي على مسار الحرب ضد الجهاديين ضعيفاً، مع ميل واضح إلى أدوار استشارية أكثر من الانخراط المباشر، وتكرار الاتهامات بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين. بعد استعادة كيدال، كشفت معركة تنزواتين حدود القدرة على قلب المعادلة، فيما ترسّخ JNIM وجوده عبر استراتيجية “التمكين المحلي” وتوسيع القاعدة الاجتماعية خارج التصنيفات الإثنية التقليدية.

الأخطر في الأشهر الأخيرة كان انتقال JNIM إلى “الخنق الاقتصادي” في مالي عبر استهداف صهاريج الوقود وممرات الإمداد، ما أحدث شحّاً حاداً في العاصمة ومناطق أخرى كموبيتي التي عانت انقطاعات طويلة للكهرباء. الفكرة ليست اقتحام باماكو، بل تركها تنهار تدريجياً تحت ضغط الاقتصاد والطاقة والطرق، مع مراكمة مكاسب تفاوضية وتقويض شرعية السلطة الانتقالية التي وعدت بالأمن ولم تفِ. مواكبة ذلك، كثّفت القوات المالية حراسة القوافل الحيوية، لكن بثمن واضح: فراغات أمنية أوسع بعيداً عن محاور حماية العاصمة.

اجتماعياً وسياسياً، يتغذّى المشهد على تيارات وطنية متشدّدة ومشاعر سيادية تتقاطع مع موجة عالمية من القومية الشعبوية. على هذه الأرضية، يتحرّك JNIM برؤية “وطنية” أكثر منها عابرة للحدود، مع سعي إلى تحويل النفوذ العسكري-الأمني إلى أوراق مشاركة في الحكم المحلي والاقتصاد غير النظامي. بالتوازي، تتصاعد الدعوات داخل مالي إلى “حوار وطني شامل” يضم الجهاديين وسائر الجماعات المسلّحة، مدفوعاً بقناعة واقعية: لا الجيش قادر على الحسم، ولا الجهاديون قادرون على السيطرة على العاصمة.

مبادرات مثل “ائتلاف القوى من أجل الجمهورية” الذي برز بقيادة شخصيات دينية وفكرية، بينها الإمام محمود ديكو، تدفع نحو عودة النظام الدستوري وفتح قنوات تفاوض بلا خطوط حمراء سوى وحدة البلاد والقيم الجمهورية. سيناريوهات التسوية قد تشمل إعادة توزيع السلطة على أساس لامركزي مع موارد حقيقية تُمكّن الإدارات المحلية، ودمج أطراف دينية “محافظة” في ترتيبات حكم مختلطة تخفف من حدّة الخطاب الجهادي وتدفعه إلى براغماتية مؤسساتية.

على حدود AES مع بنين، يحتدم السجال الدعائي بين الخطاب “الكاكي” الرامي إلى توسيع نفوذ التحالف، والردود داخل دول الساحل وخارجها التي ترى في دولة مثل بنين نموذجاً اقتصادياً لا يصمد أمام ضغط الأمن الحدودي. شخصيات مؤثرة مثل كيمي سيبا توظّف اللحظة لتوسيع أثرها، لكنها تواجه تراجعاً في الحضور الفعلي على الشبكات، فيما تتقدّم وجوه محلية جديدة بقدرة أكبر على التأثير داخل مجتمعاتها.

الننيجة العملية لغرب أفريقيا اليوم: تمدد الجهاديين نحو السواحل لن يُكبح ما لم تُستعاد قنوات التعاون بين AES وECOWAS وتُبنى ترتيبات أمنية حدودية ذكية تُغلق مسارات التموين والتهريب، ويُفتح في مالي مسار تفاوضي واقعي يخفف الضغط على باماكو ويعيد توزيع الموارد والسلطة محلياً. أما في بنين، فالمطلوب ضبط العلاقة بين الإصلاح المؤسسي والشفافية العسكرية، مع معالجة جذور السخط في الشمال حيث يلتقي الانكشاف الأمني مع محدودية المشاركة السياسية. بدون ذلك، ستستمر المنطقة في حلقة تغذّيها الانقلابات وسرديات السيادة، بينما يطوّر JNIM والدولة الإسلامية شبكات أكثر مرونة وقدرة على التكيّف عبر الحدود.

 

هذا المقال يوجز أبرز ما جاء في حلقة برنامج “Géopolitique” على إذاعة RFI بتاريخ 14 ديسمبر 2025،