شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجة تصعيد غير مسبوقة امتدت عبر مسارح متعددة، مع اتساع الحرب بين إسرائيل وحماس إلى مواجهة إقليمية طاولت إيران وحلفاءها وانتهت بحرب جوية مباشرة استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران. أضعفت العمليات الإسرائيلية قدرات حزب الله في لبنان، وتهاوى نظام بشار الأسد في سوريا، فيما عمّقت أنشطة الفاعلين المسلحين غير الدولتيين، وضعف الحوكمة، والضغوط الإنسانية، حالةَ انعدام الأمن.
منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 وردّ إسرائيل، هيمن صراع إسرائيل–حماس على المشهد، لكنه ترافق مع مخاطر أعلى على الأمنين الإقليمي والدولي بفعل الاشتباك المباشر بين إسرائيل وإيران. قُتل أكثر من 55 ألف فلسطيني ونحو 1700 إسرائيلي، وبقي 50 رهينة من أصل 251 في غزة حتى يونيو 2025. بلغ النزوح ذروته مع تهجير سكان القطاع البالغين 2.1 مليون نسمة، قبل أن تسمح هدنة بين منتصف يناير ومارس 2025 بعودة جزئية، لتنهار لاحقاً وتستأنف العمليات وما صاحبها من موجات نزوح جديدة.
امتد العنف إلى الضفة الغربية حيث اشتبكت قوات الدفاع الإسرائيلية مع مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي، فيما نفّذ مستوطنون اعتداءات على مدنيين فلسطينيين أسفرت عن أكثر من 916 وفاة. ورغم محاولات متكررة لوساطات لوقف النار طوال 2024، تدرّج تصعيد حلفاء حماس ضمن ما يُعرف بـ«محور المقاومة»: أطلقت ميليشيات شيعية في العراق عشرات الطائرات المسيّرة نحو إسرائيل فأحدث القليل منها أضراراً ملموسة، بينما أتت الضربات الأكثر تأثيراً من حركة أنصار الله في اليمن. وعلى الرغم من اعتراض معظم الهجمات، تسببت بعضها بضحايا، فردّت إسرائيل بضربات مباشرة داخل اليمن. وواصلت الحركة استهداف الملاحة في البحر الأحمر للضغط باتجاه وقف إطلاق النار، ما قاد إلى عمليات انتقامية غربية بدأت مع عملية Poseidon Archer الأميركية–البريطانية في يناير 2024، واستُبدلت في مارس 2025 بعملية أميركية تقودها واشنطن تحت اسم Rough Rider.
في خريف 2024 اندلع قتال واسع بين إسرائيل وحزب الله. شنت إسرائيل في سبتمبر سلسلة عمليات شملت توغلاً في جنوب لبنان وضربات جوية واغتيالات مركّزة. وعند التوصل إلى وقف إطلاق نار بوساطة أميركية أواخر نوفمبر، عُدّت إسرائيل الفائز عسكرياً بعد تصفية معظم قيادة الحزب، بمن فيهم الأمين العام حسن نصرالله، وإضعاف قدراته.
تداعيات الحرب طاولت سوريا أيضاً. فبعد الهدنة في لبنان، استغلّت هيئة تحرير الشام حالة الوهن لدى حلفاء دمشق وهاجمت مواقع الجيش السوري. انهارت قوات النظام سريعاً، وسيطرت الهيئة وفصائل معارضة أخرى على دمشق، فيما لم تتدخل روسيا وإيران لدعم الرئيس بشار الأسد هذه المرة، ففرّ إلى موسكو. واستمرت المعارك في مناطق أخرى، إذ اغتنمت فصائل مدعومة من تركيا الفرصة للتقدم على حساب قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً.
منيت إيران بنكسة إقليمية أكبر مع الضربات الإسرائيلية على برنامجها النووي في يونيو 2025 بمساندة أميركية. نفذت إسرائيل موجات قصف مركّزة ضد مواقع نووية واغتالت قيادات عسكرية وعلماء، وتبعتها الإدارة الأميركية بإلقاء قنابل مخترقة للتحصينات. ردّت طهران بإطلاق أكثر من 500 صاروخ ومسيّرة، ما أسفر عن مقتل 28 إسرائيلياً، وحاولت تنفيذ ضربة رمزية – أُحبطت – على قاعدة العديد في قطر. وبعد 12 يوماً، رعت الولايات المتحدة وقفاً لإطلاق النار حال دون توسع المواجهة، لكنه كبّد إيران أكثر من 900 قتيل وأضراراً فادحة لبرنامجها النووي وخسارة ملحوظة في مكانتها الإقليمية.
على مسار منفصل، حقق الصراع الممتد بين تركيا وحزب العمال الكردستاني تحولاً لافتاً حين أعلن الحزب عزمه على نزع السلاح وحلّ نفسه في 2025، من دون وضوح بشأن إمكانية ترجمة ذلك إلى سلام مستدام.
تكشف هذه التطورات عن مسارات مترابطة تعيد رسم توازنات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تصعيد متعدد الجبهات، دور متنامٍ للجهات المسلحة غير الدولتية، تسييل للصراع بين إسرائيل وإيران داخل ساحات عربية، وضغط إنساني متراكم. جميعها اتجاهات تفرض مقاربات أمنية وسياسية جديدة، من إدارة التصعيد إلى حماية الممرات البحرية، ومن إعادة بناء الردع إلى معالجة الفراغات المؤسسية التي تسمح بديمومة العنف.
للاطلاع على التحليل الكامل والبيانات المصاحبة، يمكن الرجوع إلى إصدار المسح السنوي للنزاعات المسلحة 2025 لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.


