تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف حول استعداد بلاده لـ«دعم أي مبادرة للوساطة» بين المغرب والبوليساريو ضمن الإطار الأممي ليست تحولًا في الموقف، بل محاولة لإعادة تموضع خطاب سياسي يقدّم الجزائر كوسيط وهي طرف مباشر في النزاع. جوهر القضية اليوم هو الاعتراف بدور الجزائر ومسؤوليتها في مسار الحل، لا صناعة صورة حيادية للاستهلاك الإعلامي داخل المغرب أو خارجه.
قرار مجلس الأمن رقم 2797، الصادر نهاية أكتوبر، قدّم دعمًا صريحًا لـ«خطة الحكم الذاتي» المغربية باعتبارها «الحل الأكثر قابلية للتطبيق». ورغم امتناع الصين وروسيا وباكستان عن التصويت ومعارضة الجزائر، حاز القرار الأغلبية، واعتُبر في الرباط محطة مفصلية. هذا التطور يعيد ترتيب أوراق الملف: الوساطة الأممية مطلوبة، لكن ضمن مسار واضح يضع الجزائر في موقع الطرف المعني، لا المراقب.
حين يقول عطّاف إن الجزائر «لا تدخر جهدًا» لدعم الوساطة «ضمن الإطار الأممي»، فإن اختبار الجدية يبدأ بالقبول بالمشاركة الكاملة في المحادثات المباشرة إلى جانب المغرب والبوليساريو وموريتانيا، وفق ما يدعو إليه المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا. الخط السياسي الفعّال اليوم هو الانخراط في مفاوضات تستند إلى الواقعية والقرارات الأممية، لا إعادة تدوير سردية «الوسيط» لتخفيف كلفة الانحياز.
من زاوية المسار الأممي، تُمدّد ولاية بعثة «مينورسو» سنويًا لضمان الاستقرار الميداني، لكن المرجعية العملية للحل تحوّلت منذ سنوات من خيار الاستفتاء إلى مقاربة تفاوضية تقوم على حل سياسي واقعي ودائم، وهو ما يضع «الحكم الذاتي» في قلب النقاش. تقديم «التجديد» كـ«مكسب» للنزعة الانفصالية يتجاهل أولويات الأمم المتحدة: تقريب المواقف وفتح قنوات مباشرة بين الجزائر والمغرب.
المعادلة بسيطة: إن كانت الجزائر تعتبر نفسها داعمة لـ«حل عادل ودائم ونهائي»، فالمدخل هو الاعتراف بموقعها كطرف في النزاع والمشاركة البنّاءة في العملية السياسية. غير ذلك يكرّس فجوة بين الخطاب والممارسة، ويؤجل ما بات ممكنًا في ضوء دعم دولي متزايد لخيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
على المستوى الاتصالي، تراهن الجزائر على تحويل انتباه الرأي العام نحو «مبادرة وساطة» تبدو متوازنة ظاهريًا. لكن المتلقي بات واعيًا بتفاصيل الملف وتاريخ محطاته التفاوضية منذ هيوستن ومانهاست وصولًا إلى جولات جنيف، حيث ثُبّتت حقيقة أن المواجهة الدبلوماسية الفعلية تتم مع الجزائر كطرف، لا مع البوليساريو وحده.


