اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر يوم 16 نوفمبر 2024 ثم الحكم عليه في يوليو 2025 بخمس سنوات بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية" أشعل جهود وساطات متعددة. ورغم النداءات القادمة من أوساط السياسة والثقافة في فرنسا، جاء الإفراج فعليًا عقب طلب رسمي قدّمه الرئيس الألماني فرانك‑فالتر شتاينماير، ما انتهى إلى أن أُفرِج عنه وتمت الموافقة على العفو.
منذ الأسابيع الأولى بعد السجن، ظهرت "الورقة الألمانية" كمسار واقعي للتهدئة. أمام تصلّب موقف الرئيس عبد المجيد تبون وتحويله قضية صنصال إلى شأن شخصي، لجأت باريس مبكرًا إلى طلب وساطة من برلين بغرض إقناع الرئاسة الجزائرية. كما جرى التواصل مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، نظرًا لعلاقاتها الجيدة مع الرئيس الجزائري، فيما حاولت قنوات دينية فتح باب الحوار عبر أرشقف الجزائر جان‑بول فيسكو. رغم ذلك، ظلّ الموقف الجزائري متشددًا، خاصة مع تدهور موازٍ في علاقات الجزائر بباريس.
لاحقًا، ساعدت تغييرات في المشهد السياسي الفرنسي على تلطيف الأجواء. غادر برونو ريتايو وزارة الداخلية، وهو اسم كان محسوبًا في الجزائر على تعكير العلاقة؛ وجاء لوران نونييز ليمنح فرصة لإعادة الضبط. هذا الانفراج ظلّ مرتبطًا بحلّ ملف بوعلام صنصال كاختبار لنوايا التقارب، مما جعل العفو مقدّمة لازمة للتهدئة بين العاصمتين.
العامل الشخصي لعب دوره أيضًا. العلاقة الودية بين شتاينماير وتبون، وتاريخ تبون الصحي في ألمانيا خلال استشفائه في كولونيا عامي 2020 و2021 عقب إصابته بكوفيد‑19، أضافت وزنًا لمسعى برلين. ومع قبول العفو، جرى ترتيب إجرائي يحفظ صورة السيادة: طلب رسمي من الرئيس الألماني، تسريب مدروس عبر قنوات غير رسمية في الجزائر لتهيئة الرأي العام، ثم إعلان العفو يوم 12 نوفمبر، قبل أن يتجه صنصال إلى برلين لتلقي الرعاية.
لكن ما حدث بعدها أربك جميع الأطراف. في اليوم التالي لوصوله، منح صنصال مقابلة حصرية للكاتب كمال داود لصالح مجلة "لو بوينت" الفرنسية، متحدثًا لأول مرة عن ضغوط تعرض لها في الجزائر لالتزام الصمت، بما فيها زيارة لمسؤول أمني طلب منه "تخفيف لهجته" ورسم خطوط حمراء غير مفصلة. الخطوة أغضبت برلين التي بدت راغبة في تنظيم ظهوره الإعلامي، وأزعجت باريس التي ألغت فجأة رحلة عمل لوزير الخارجية جان‑نويل بارو إلى برلين، لتجنب زيادة التوتر مع الجزائر وتعطيل استئناف الحوار.
لم يُستقبل العفو بهتاف عام في الداخل الجزائري. لا تضمن مكانة صنصال الأدبية له شعبية واسعة، وسؤال "لماذا هو؟" طغى على النقاش العام مع استمرار وجود عشرات معتقلي الرأي دون تجاوب رسمي لنداءات أسرهم والمنظمات الحقوقية. وبقدر ما اعتُبر الإفراج عن مؤلف "قسَم البرابرة" إشارة تهدئة خارجية، رأى كثيرون أنه نموذج لـ"عدالة بسرعتين".
وعلى وقع هذا الجدل، جاءت حكمية جديدة تؤكد حساسية المشهد: الشاعر محمد تجاديت (31 عامًا)، الملقب بـ"شاعر الحراك"، صدر بحقه حكم بالسجن خمس سنوات بتهم "دعم منظمات إرهابية" و"نشر أفكار متطرفة" بسبب قصيدة أغضبت السلطات. هكذا بدا أن ملف صنصال، بين الجزائر وباريس وبرلين، لم يُغلق فعليًا؛ بل فتح أسئلة أوسع حول مسار الانفراج، وحدود الكلام، ومعايير العدالة في البلاد.


