خسرَت الجزائر جولة جديدة في ملف الصحراء الغربية بعدما مرّ في مجلس الأمن قرار أميركي يؤكد "أولوية" خطة الحكم الذاتي المغربية ويجدّد ولاية بعثة مينورسو. تحرّكات اللحظة الأخيرة نحو بكين وموسكو وإسلام آباد لم تغيّر النتيجة، وجاءت امتناعات تلك العواصم لتكشف حدود نهج الصلابة القصوى الذي يصفه الجزائريون بــ"التغنّنت" (تشدد صدامي غير ملائم).
محاولة بناء "جبهة رفض" حول شعار "تصفية الاستعمار" لم تنجح. امتناع الصين وروسيا وباكستان عن التصويت ترك المجال مفتوحاً أمام القرار الأميركي، وأظهر عزلة الجزائر حتى وسط شركائها "الاستراتيجيين". هذا التطور يمسّ صورة الجزائر الإقليمية ويطرح سؤالاً عملياً: ما القيمة المضافة التي تعرضها الجزائر على حلفائها مقابل مجازفة سياسية في ملف معقّد وحساس؟
الانتكاسة الحالية ليست حادثاً عابراً. منذ وصول عبد المجيد تبون إلى الرئاسة، تكرّر شعور التراجع: فشل الانضمام إلى مجموعة بريكس، توتر مع جيران الساحل، خلافات مع إسبانيا وفرنسا، احتكاك مع الإمارات، وتعذّر بناء "مغرب عربي بلا المغرب". تراكم هذه الوقائع يوحي بأن الدبلوماسية تُدار بمنطق عرض داخلي أكثر مما هي استراتيجية خارجية قابلة للتفاوض والتحالف.
في بيئة تتبدّل بسرعة، تكافئ الدبلوماسية المرونة وبناء الشبكات والقدرة على المواءمة. الجزائر، بالمقابل، تمسّكت بخطاب سيادي صارم وبمعادلة قوة لا تنعكس على الأرض. نتيجة ذلك، انحسار نفوذها داخل الجامعة العربية وتراجع دورها في ملفات سوريا وفلسطين، رغم محاولات تنظيم قمم وإطلاق مبادرات.
قرار مجلس الأمن الأخير يجسّد فشل الطريقة لا القضية. تحويل الصدام والصلابة إلى عقيدة عمل جعل الجزائر تُخاطب جمهورها الداخلي أكثر مما تُقنع العواصم المؤثرة. التلويح بالكرامة الوطنية لا يعوّض غياب مقترحات عملية، ولا يغني عن تفاهمات واقعية مع اللاعبين الأساسيين، من الرباط إلى واشنطن، مروراً بموسكو وبكين.
إعادة التموضع لا تعني قبولاً كاملاً بالرؤية المغربية، بل مراجعة أدوات العمل: فتح قنوات هادئة، صياغة عروض ملموسة، وموازنة الخطاب مع نتائج قابلة للقياس. دون ذلك، ستبقى كلمات مثل "مينورسو"، "الحكم الذاتي"، و"مجلس الأمن" مرتبطة بسلسلة خسائر، فيما تتحرك خريطة النفوذ بعيداً عن الحسابات الجزائرية.
الخلاصة الضمنية لهذا المشهد: قوة الدول تُقاس بقدرتها على التكيّف. الصلابة التي لا تنتج تحالفات ولا تغيّر قرارات، تتحول إلى عبء. وما لم تنتقل الجزائر من "التغنّنت" إلى براجماتية تُراكم مكاسب، سيظل ملف الصحراء الغربية مرآةً لثغرات دبلوماسية أكثر منه ساحةً لإثبات نفوذ.


