من نابوليون إلى الصحراء... مائتا عام من التجسس الفرنسي في المغرب الكبير

أضيف بتاريخ 10/12/2025
عن جون أفريك


في غشت الماضي، وبينما كانت وتيرة الأخبار تتباطأ بفعل عطلة الصيف، اشتعلت بعض وسائل الإعلام الجزائرية باتهامات حادة. فقد وجهت أصابع الاتهام إلى *المعهد الفرنسي بالجزائر*، معتبرة أنه يُستخدم من طرف باريس كغطاء لعمليات تجسس تستهدف الجار الجنوبي عبر المتوسط. ووصفت تلك الصحف هذه الممارسات بأنها "إهانة للسيادة الوطنية" وتشبه ما كانت تقوم به "منظمة الجيش السري" خلال حرب الجزائر.

ورغم أن هذه الاتهامات تبدو مفاجئة، إلا أنها تأتي في سياق توتر شديد بين باريس والجزائر، ما يفسر حدة الخطاب. لكنها تعيد إلى الأذهان تاريخاً طويلاً من نشاط أجهزة الاستخبارات الفرنسية في المغرب الكبير، منذ بدايات القرن التاسع عشر، حين كانت المنطقة تُعتبر ساحة استراتيجية في صراع القوى الاستعمارية الأوروبية.

نابوليون وبدايات التجسس الفرنسي
إذا عدنا إلى جذور هذا النشاط الاستخباراتي، يظهر اسم نابوليون بونابرت في الصدارة. فمخطط حملة مصر لم يكفّ عن الاهتمام بالجزائر والمغرب، بهدف التصدي للنفوذ البريطاني المتزايد. في عام 1808، أرسل الضابط *فنسنت-إيف بوتان* في مهمة استطلاعية سرية إلى الجزائر، لتحديد مواقع محتملة لإنزال عسكري فرنسي. وقد حُفظت تقاريره بعناية، لتُستخدم لاحقاً عام 1830 خلال الغزو الفرنسي للجزائر حين نُزلت القوات في سيدي فرج، مستندة إلى خرائطه.

وفي العام نفسه، أوفد نابوليون الضابط *أنطوان بوريل* إلى المغرب بمهمة مشابهة لتحديد مناطق مناسبة لإنزال فرنسي محتمل قرب طنجة، في وقت كانت فيه بريطانيا متمركزة في جبل طارق. غير أن تلك المهمة لم تُترجم إلى عمل ميداني فوري.

دعم ألماني للمتمردين المغاربة
مع بدايات القرن العشرين والحربين العالميتين، تكاثفت شبكات التجسس الأوروبية في شمال إفريقيا. فقد كانت "إفريقيا الشمالية الفرنسية" قاعدة خلفية حيوية لفرنسا في مواجهة أزماتها الأوروبية. وخلال الحرب العالمية الأولى، دعم الألمان بعض القادة القبليين المعارضين للسلطة المركزية في المغرب، في محاولة لإضعاف النفوذ الفرنسي. فقد زود برلين ثوار *أحمد الهيبة* في الجنوب بالأسلحة، كما دعم عملاؤها انتفاضات قبائل الريف وتازة عام 1915.

ولإدراكها خطورة هذا النشاط، أصدرت فرنسا عبر سلطات الحماية المغربية مرسومين Cherifiens في سبتمبر 1938، أحدهما ينظم البلاد زمن الحرب، والآخر يجرّم أنشطة التجسس وفقاً للتشريعات الفرنسية.

 طنجة... وكر الجواسيس
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تحولت طنجة، المدينة الدولية المطلة على المتوسط والأطلسي، إلى مركز نشط للجواسيس من شتى الأطراف. تمركز فيها عملاء *الأبفير*، جهاز الاستخبارات العسكرية النازية، متخفين في هيئة تجار. وقد تمكنوا من اختراق المناطق الفرنسية والإسبانية ونشر الدعاية الألمانية.

كان من أبرزهم *أدولف لانغنهايم*، مهندس سابق بشركة مانسلمان، استخدم شبكات من "المخبرين" الألمان الذين تمتعوا بغطاء دبلوماسي أو تجاري.

من الحرب الباردة إلى اليوم
بعد الحرب العالمية، ومع انقسام العالم إلى معسكرين متنافسين، تحولت دول المغرب الكبير مجدداً إلى ساحة مواجهة بين أجهزة الـCIA والـKGB. وخلال انقلاب الجنرالات الفرنسيين في الجزائر عام 1961، انتشرت شائعة أن الجنرال *موريس شال* كان عميلاً لوكالة الاستخبارات الأمريكية، في رواية زائفة صاغها السوفييت لتقويض العلاقات بين باريس وواشنطن.

ثم جاءت مرحلة الاستقلالات وانتهت الحرب الباردة، لكن التجسس لم يتوقف. فاليوم، ما تزال شمال إفريقيا، ولا سيما المغرب والجزائر، ساحة صراع استخباري غير معلن، يتمحور حول ملف حساس لم يفقد سخونته منذ عقود: ملف الصحراء.

 جون أفريك