كيف تهدد الديون سيادة الدول وتستنزف مستقبل الشعوب؟

أضيف بتاريخ 06/23/2025
منصة الجنوبية

في عالم يزداد فيه الدين العام عبئاً ثقيلاً على كاهل الدول النامية، تبرز قضية السيادة والاستقلال الاقتصادي كأحد أهم التحديات التي تواجه صانعي القرار، خاصة في إفريقيا والبلدان النامية التي تعيش تحت رحمة الدائنين الدوليين. قضية الدين العام ليست مجرد أرقام تضاف إلى ميزانيات الدول، بل هي مسألة وجودية تمس حياة مئات الملايين من البشر، كما أكدت تقارير عدة، منها ما نشرته جون أفريك (JA)حول الأزمة المستفحلة في تونس، حيث باتت البلاد تخصص أكثر من ربع مواردها لسداد خدمة الدين الخارجي، ما يهدد قدرتها على الاستثمار في الصحة والتعليم وخدماتها الأساسية.



ويتزامن هذا المشهد مع إطلاق تقرير لجنة "جوبيليه" الذي يراه البعض آخر إرث البابا فرانسيس، إذ طلب قداسته في بداية العام من ثلاثين خبيراً اقتصادياً عالمياً إيجاد حلول لأزمة المديونية التي تعاني منها البلدان النامية. وبعد شهرين من وفاته، قدمت اللجنة، برئاسة الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز، خارطة طريق طموحة تهدف إلى "خلق أسس مالية لاقتصاد عالمي مستدام يركز على الإنسان". ويخلص التقرير إلى أن أزمة الدين تساهم في تعميق أزمة التنمية، حيث باتت 54 دولة نامية تخصص 10٪ أو أكثر من إيراداتها الضريبية لدفع الفوائد فقط، كما تضاعفت أعباء الفائدة في العالم النامي خلال العقد الأخير.

في إفريقيا وحدها، يعيش 751 مليون شخص، أي 55٪ من سكان القارة، في دول تنفق على خدمة الدين أكثر مما تنفق على التعليم أو الصحة. هذا الوضع ينعكس سلباً على حياة المواطنين، كما يوضح تشارلي تشيلوفيا من مؤتمر اليسوعيين في إفريقيا ومدغشقر، حيث يعاني الأطفال من الجوع، وتغلق المدارس أبوابها، ويعجز المستشفيات عن تقديم الخدمات الأساسية. وتؤكد جون أفريك أن أزمة الدين في تونس، على سبيل المثال، باتت تهدد السيادة الوطنية، فالدولة لم تعد قادرة على اتخاذ قراراتها بعيداً عن ضغوط الدائنين الدوليين.

ولمواجهة هذا التحدي، يقترح الخبراء سلسلة من الحلول، أهمها منع "التدفقات السلبية" أي ألا تدفع الدول أكثر مما تقترض، وتوسيع مبادرات تعليق خدمة الدين لتشمل الدول متوسطة الدخل، وتعزيز تبادل الديون مقابل الطبيعة، وتقوية رأس مال البنوك التنموية، ونقل جزء من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي إلى البنوك الإقليمية مثل البنك الإفريقي للتنمية. كما يدعو التقرير إلى تعزيز التعاون بين دول الجنوب عبر نادٍ للدول المقترضة، بما يضمن تحسين المعرفة التقنية والتعاون في إدارة الدين.

وفي الأمد المتوسط، يرى الخبراء أن الحل يكمن في إصلاح جذري للهيكل المالي العالمي، بحيث لا تكون المؤسسات المالية الدولية تحت سيطرة الدول الغنية فقط، بل تخدم مصالح الدول النامية. كما يدعون إلى إعادة النظر في سياسات المؤسسات المتعددة الأطراف، وإلى ضرورة أن تتجاوز إجراءات تخفيف عبء الدين مجرد التعليق لتشمل التخفيض الفعلي للديون عندما تكون غير مستدامة.

ويختتم التقرير بتوقعات حول صعوبة المفاوضات في مؤتمر تمويل التنمية الدولي في إشبيلية، وسط تنامي النزعات الحمائية والانغلاق على الذات عالمياً. لكن يبقى الأمل قائماً في أن تؤدي الجهود الدولية إلى إطلاق مبادرة جديدة لتخفيف عبء الدين، كما حدث قبل ثلاثة عقود مع مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وذلك حتى لا تتحول أزمة المديونية إلى سجن دائم يهدد سيادة الدول ويستنزف مستقبل شعوبها.