أثار اتفاق أمني بين تونس والجزائر جدلًا واسعًا في الأوساط التونسية، بعدما تبيّن أن قوات الأمن والجيش الجزائري يمكنها التدخل داخل الأراضي التونسية في إطار مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وذلك بناءً على طلب رسمي من السلطات التونسية. وقد سبق توقيع الاتفاق في السابع من أكتوبر 2025، لكن تفاصيله لم تُكشف إلا بعد أن نشرتها وسائل إعلام جزائرية، الأمر الذي دفع تونس إلى نفي الشائعات والتأكيد على أن الأمر لا يعدو أن يكون تحديثًا لاتفاق ثنائي يعود إلى عام 2001.
غير أن الوثائق التي تسربت لاحقًا، في 18 ديسمبر، أنعشت الجدل مجددًا، بعدما أظهرت ما وصفه مراقبون بتزايد نفوذ الجزائر على نظام الرئيس قيس سعيّد، خاصة أن هذا الاتفاق لم يُعرض على مجلس نواب الشعب ولم يخضع لأي نقاش علني، بل بدا كقرار سريّ يتخذ في دوائر مغلقة.
يرى محللون أن هذا التطور يتعارض مع الخطاب الذي تبناه الرئيس التونسي منذ وصوله إلى السلطة، والقائم على الدفاع عن السيادة الوطنية ورفض التدخلات الخارجية. ففي حين كانت شعاراته تعبّر عن "استقلال القرار التونسي"، جاءت بنود الاتفاق لتكشف عن شكل من أشكال التبعية السياسية والأمنية. وقد شبّه بعض خصوم النظام هذا الوضع بـ«شروط الحماية القديمة»، معتبرين أن بعض البنود، ولا سيما المادة السادسة، تذهب بعيدًا في منح الجزائر صلاحيات واسعة داخل الأراضي التونسية.
تشير التسريبات إلى أن القوات الجزائرية يمكنها التحرك لمسافة تصل إلى خمسين كيلومترًا داخل التراب التونسي، والحصول، عند الضرورة، على إذن بدخول مؤسسات تابعة للدولة. كما تلتزم تونس بسداد جميع التكاليف اللوجستية والإقامة والنقل، على أن يُسمح لها، في حال العجز المالي، بتقديم موارد طبيعية كمقابل. إلى جانب ذلك، يُلزم الاتفاق الحكومة التونسية بإخطار الجزائر قبل توقيع أي اتفاقيات عسكرية أو أمنية جديدة مع دول أخرى، ما اعتُبر من قبل بعض الخبراء «إجراءً مقيّدًا للسيادة».
ويُتوقع أن يتسبب هذا الوضع في توتر مع الشركاء الدوليين لتونس، خصوصًا الاتحاد الأوروبي، الذي وقعت معه تونس مذكرة تفاهم في عام 2023 لإرساء شراكة استراتيجية، فضلًا عن حلف شمال الأطلسي الذي يمنحها صفة الحليف الرئيس من خارج العضوية. وقد عبّر بعض المراقبين في تونس عن قلقهم من أن تؤدي التنازلات الجديدة إلى إضعاف موقع بلادهم في علاقاتها مع العواصم الغربية.
ويستعيد مؤرخون تونسيون سوابق مشابهة لمحاولات جزائرية التأثير في السياسة التونسية، بدءًا من حادثة قفصة عام 1980 وصولًا إلى إطاحة الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1987، التي ربطتها بعض التحليلات بتفاهمات بين الجزائر وروما لإدارة ملف أنبوب الغاز العابر للأراضي التونسية. أما اليوم، فيُنظر إلى الدور الذي يؤديه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بوصفه دعمًا سياسيًا لرئيس تونسي يفتقر إلى حلفاء دوليين أقوياء، بعد أن فشل كل من فرنسا ومصر في ملء هذا الفراغ.