يتصاعد النقاش في الجزائر حول مقترح قانوني يمنح الدولة حق تجريد بعض مواطنيها من جنسيتهم في حالات محددة، وسط تباين حاد في المواقف بين من يراه أداة لحماية الأمن القومي ومن يعتبره باباً مفتوحاً للتعسف وتقويض حرية التعبير.
يقترح النائب هشام صفر، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، تعديل قانون الجنسية بما يتيح سحب الجنسية من الجزائريين المقيمين خارج البلاد إذا ثبت قيامهم بأفعال تُلحق ضرراً جسيماً بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية، بما في ذلك إظهار الولاء لدولة أجنبية ونبذ الولاء الوطني. ويؤكد وزير العدل لطفي بوجمعة أن النص يتضمن "ضمانات قانونية" تحدد الإجراء والحالات بدقة، على أن تُنشأ لجنة متخصصة لدراسة الملفات دون حكم مسبق، مع اشتراط أدلة ثابتة قبل أي قرار.
تعكس منصات التواصل الانقسام الشعبي؛ فهناك من يرى أن سحب الجنسية "سلاحاً بيد السلطة لقمع المعارضين"، وآخرون يعتبرونه "أداة لردع الخيانة وحماية الدولة". تظهر تعليقات عديدة تربط المشروع بمخاوف على حرية التعبير، محذّرة من تحول منشورات على الشبكات إلى سبب للعقوبات، فيما يذهب مؤيدون إلى المطالبة بتوسيع دائرة الردع لتشمل التعامل مع جهات أمنية أجنبية أو الانخراط في جماعات إرهابية أو تخريبية أو تمويلها.
ينص المشروع على حالات تشمل العمل لصالح جهات عسكرية أو أمنية أجنبية، وتقديم دعم مباشر أو غير مباشر يضر بالمصالح الوطنية، والتعامل مع كيانات أو دول تُعدّ معادية للجزائر. وتبرز هنا كلمات مفتاحية في قلب النقاش العام مثل "سحب الجنسية"، "الأمن القومي"، "حرية التعبير"، "المصالح الوطنية"، و"الإرهاب"، إذ يتقاطع البعد القانوني مع حساسيات سياسية واجتماعية متجذّرة.
لا يغيب البعد الإجرائي؛ إذ يسمح النص باسترجاع الجنسية بعد مرور 24 شهراً على الأقل، بناءً على طلب يُفصل فيه بمرسوم رئاسي، مع تعهّد رسمي بنشر أسباب التجريد "ليطّلع الجمهور ويحكم بنفسه"، بحسب تصريح لوزير العدل. لكن هذا الوعد بالشفافية لا يُبدد بالكامل قلق المنتقدين الذين يشككون في الحدود الفاصلة بين "حماية مصالح الدولة" و"تجريم المعارضة"، ويخشون من اتساع تفسير المفاهيم بما يقيّد الحريات.
ومن زاوية قانونية دولية، يلفت بعض المعلقين إلى أن التجريد قد يُفضي إلى وضع "عديمي الجنسية" وفق اتفاقية 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، ما قد يمنح مَن تُسحب منهم الجنسية مسارات لتسوية أوضاعهم الإدارية في بلدان الإقامة. هذه الثغرة المحتملة تُظهر تعقيداً إضافياً: فالإجراء الذي يُراد به الردع قد يحمل نتائج عكسية خارج الحدود، ويؤثر في علاقات الجزائر مع دول تستضيف جالياتها.
يتزامن الجدل حول المشروع مع نقاش برلماني آخر يتعلق بتجريم الاستعمار الفرنسي، وهو تزامن أثار تعليقات حول "طمس" النقاش الأثقل وزناً برأي بعض المنتقدين. هنا تتداخل السياسة الرمزية مع التشريع العملي؛ فخطاب السيادة والذاكرة الوطنية يتجاور مع نصوص عقابية قد تُطبق على مواطنين في الشتات، حيث يتزايد حضور الجالية الجزائرية ونشاطها عبر المنصات الرقمية.
على مستوى الصياغة القانونية، تعتمد الحجة الرسمية على مبدأ "الطابع الاستثنائي جداً" لإجراء سحب الجنسية، مع اشتراط إنذار رسمي مسبق واستمرار الأفعال رغم التحذير. غير أن نجاح أي نص تشريعي من هذا النوع يتوقف عملياً على معايير الإثبات، واستقلالية اللجنة التي ستفصل في الحالات، ومقدار الضمانات الفعلية ضد التعسف. ومن دون إطار إجرائي شفاف ومراقبة قضائية فعّالة، تصبح المخاطر على الحقوق الأساسية، بما فيها حرية التعبير، ملموسة.
يبقى أن المشروع يعيد طرح أسئلة جوهرية: أين تنتهي حماية الأمن القومي وتبدأ حماية المواطن؟ كيف يُعرّف "الولاء" في زمن الشتات والفضاء الرقمي؟ وما الحدود بين معارضة سياسية مشروعة وأفعال تُصنّف إضراراً بمصالح الدولة؟ الإجابات لن تتشكل في النص وحده، بل في التطبيق، وفي الثقة العامة بمؤسسات الدولة، وفي حوار مجتمعي يستوعب حساسية الموضوع دون الوقوع في لغة الإقصاء.