يستند هذا العرض إلى مادة تحليلية منشورة على منصة Médias24 بقلم بدر الحمزاوي بتاريخ 4 نوفمبر 2025، وإلى تقارير مؤسسية مثل بنك التنمية الأفريقي، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بما يوفّر قراءة مقارنة للفرص والتكاليف في المغرب العربي.
تمهيد اقتصادي واضح يفرض نفسه اليوم في شمال إفريقيا: استمرار تجزؤ المغرب العربي يحرم المنطقة من نمو ملموس ومن رافعة سيادة اقتصادية مشتركة. جاءت مبادرة الرباط لمدّ اليد إلى الجزائر بعد قرار مجلس الأمن في 31 أكتوبر بشأن قضية الصحراء المغربية لتعيد سؤال “تكلفة عدم التكامل” إلى الواجهة، خاصة أن المنطقة تُعد من الأقل اندماجاً عالمياً.
اقتصادياً، لا تكمن المشكلة في الرسوم الجمركية بقدر ما تكمن في الاحتكاكات: لوجستيات غير فعّالة، اختلاف المعايير، ضعف خدمات الشبكات والمدفوعات، وتكاليف “ما وراء الحدود” التي تُربك سلاسل القيمة الإقليمية. تشير تقديرات بنك التنمية الأفريقي إلى أن غياب التكامل يقتطع بين نقطة واحدة وثلاث نقاط من النمو سنوياً. وفي سيناريوهات البنك الدولي، يقود “الاندماج العميق” المبني على تحرير الخدمات وتحسين مناخ الاستثمار إلى زيادة في مستوى الناتج المحلي تتجاوز 30% خلال عشر سنوات.
على مستوى التجارة البينية، يظل المغرب العربي من أقل الكتل اندماجاً، إذ لا تتجاوز حصة التجارة داخل الإقليم 5% من إجمالي المبادلات وفق إدارة إفريقيا في صندوق النقد الدولي، وهو رقم أدنى بكثير من كتل مماثلة. لا يرتبط ذلك بصغر السوق، بل بتراكم تكاليف على الحدود وخلفها يحدّ من الاستثمار المنتج ويوسّع فجوة الكفاءة.
تفاصيل السيناريوهات التي قادتها بالوما آنوس كاسيرو وغانِش سيشان لدى البنك الدولي والمُعايرة بين 2005 و2015، تُظهر أن تعميق الانفتاح مع الاتحاد الأوروبي يرفع الناتج الحقيقي للفرد بنحو 15% في الجزائر، 16% في المغرب، و14% في تونس مقارنة بوضعية الجمود. ومع تحرير كامل للخدمات وتحسين بيئة الاستثمار، ترتفع المكاسب إلى 34% في الجزائر، 27% في المغرب، و24% في تونس. وعند الجمع بين قيام كتلة مغاربية مرتبطة بالاتحاد الأوروبي وإصلاحات الخدمات والمناخ الاستثماري، تصل زيادة الناتج الحقيقي للفرد إلى نحو 57% في الجزائر، 51% في المغرب، و38% في تونس، وهي فجوة رفاه مهدورة بفعل عدم الاندماج.
أبعد من النماذج، تتقاطع البنية الإنتاجية للدول الخمس — المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا — بما يسمح ببناء سلاسل قيمة إقليمية في الطاقة والبتروكيماويات والمعادن والأسمدة والنقل والخدمات الرقمية. تكامل المعايير، تبسيط الإجراءات، وتحديث البنية التحتية اللوجستية والمدفوعات العابرة للحدود يمكنه خفض تكلفة التجارة، توجيه الاستثمار بكفاءة، ورفع الإنتاجية على نحو مستدام، مع إمكان بحث تقارب نقدي طويل الأجل عندما تنضج المؤشرات.
تؤكد دراسة منشورة عام 2006 بقلم بشير، بن حمّودة، أولمان وسعدني جلّاب بعنوان The Cost of Non‑Maghreb في مجلة Journal of Economic Integration أن إنشاء منطقة تجارة حرّة مغاربية يرفع الإنتاج بنحو 350 مليون دولار، وهو مؤشر متحفظ قياساً بما تراكم لاحقاً من فرص في الخدمات وسلاسل الإمداد والنقل.
يجدر التنبيه إلى أن بعض هذه الأعمال تعود لسنوات، لأن إنتاج نماذج دقيقة يتطلّب وقتاً وموارد وبيانات مُفصّلة، لكن اتجاهاتها ما زالت صالحة: تكلفة عدم التكامل ملموسة، ومكاسب الاندماج — من التجارة البينية إلى الاستثمار والقدرة التنافسية — أكبر مما يوحي به الوضع الراهن. مبادرة الحوار بين الرباط والجزائر تمنح شمال إفريقيا فرصة عملية لتقليص الاحتكاكات وبناء سيادة اقتصادية مشتركة على أساس إصلاحات واقعية وشفافة وروابط مؤسسية متينة.