في مشهد دموي هز أركان الجزائر، سقط محمد بوضياف، أحد رموز ثورة التحرير، صريعاً أمام عدسات التلفزيون الوطني في يونيو 1992. كانت قاعة المحاضرات في عنابة تعج بالحضور عندما دوت طلقات الرصاص، لتنقل الكاميرات لحظة سقوط رجل عاد من منفاه اختياريًا ليقود البلاد في مرحلة عصيبة.
لم يكن مجرد اغتيال سياسي عادي، بل كان حدثاً صادماً شاهده الملايين مباشرة على شاشات التلفزيون. ستة أشهر فقط كانت كافية لتنتهي مسيرة رجل حمل على عاتقه مهمة إنقاذ وطن يترنح على حافة الهاوية. جاءت الرصاصات من حيث لا يتوقع أحد - من أحد أفراد حمايته الشخصية - لتضيف غموضاً على غموض وتفتح الباب أمام تساؤلات لم تنته حتى يومنا هذا.
تحول المشهد السياسي في الجزائر إلى متاهة من التكهنات والنظريات حول هوية المحرضين الحقيقيين على الجريمة. وبقيت صورة بوضياف، المناضل العائد من المنفى، محفورة في الذاكرة الجماعية للجزائريين كرمز لمرحلة عصيبة من تاريخ البلاد.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، لا يزال صدى تلك الطلقات يتردد في وجدان الجزائريين، مذكراً بلحظة تحول فارقة في تاريخ وطن ما زال يبحث عن إجابات لأسئلة لم تُحسم بعد.