مواجهة بلا نهاية بين أسيمي غويتا وإياد أغ غالي: صراع على مصير مالي

أضيف بتاريخ 09/22/2025
منصة الجنوبية


في قلب المشهد المالي المضطرب، يتواجه رجلان يجسدان وجهين متناقضين للسلطة والعنف. أسيمي غويتا، الضابط الشاب الذي وصل إلى رأس الدولة عبر الانقلابات العسكرية، يتمسك بخطاب السيادة وإعادة بناء الجيش لمواجهة التحديات الأمنية. في المقابل، يقود إياد أغ غالي، الزعيم الجهادي المخضرم، حربه في الظل بوجه متعدد يجمع بين الداعية والسياسي والمقاتل، واضعاً نصب عينيه حلم السيطرة على باماكو.  

غويتا، الذي صعد إلى الواجهة بإطاحته بإبراهيم بوبكر كيتا ثم بإزاحة باه نداو، يطرح نفسه كقائد للمرحلة الانتقالية، واضعاً الجيش في صلب مشروعه السياسي. تحت قيادته، ارتفعت ميزانية الدفاع وتدفقت الأسلحة الحديثة، فيما تعززت صفوف القوات النظامية بمجندين جدد دفعت بهم السلطة إلى الخطوط الأمامية. بانسحاب القوات الفرنسية والأممية، لجأ غويتا إلى شركاء جدد، من مرتزقة روس إلى تعاون استخباراتي مع الولايات المتحدة، آملاً في كسر شوكة الجماعات المسلحة التي تهدد بقاء الدولة.  

في الجهة المقابلة، يواصل إياد أغ غالي تعزيز تمدده عبر جبهة دعم الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة في الساحل. خبرته الطويلة، وقدرته على استغلال الولاءات المحلية والانقسامات المجتمعية، جعلت منه زعيماً يصعب تطويقه. من الكثبان في الشمال إلى مناطق الغرب حيث تمتد يد الدولة بالكاد، يبسط رجاله نفوذهم مستخدمين خطاباً دينياً للتقرب من القرى، مرفوقاً بعنف مفرط لا يترك مجالاً للحياد. الهجمات التي تستهدف الرموز العسكرية والاقتصادية، من معسكر كاتي إلى محاولات فرض حصار على الطرق الحيوية، ترسل رسالة واضحة بأن سلطته تتحدى الدولة حتى في عقر دارها.  

غير أن لكل طرف نقاط قوة وضعف. غويتا، رغم الدعم الشعبي النسبي واستناده إلى تحالف عسكري إقليمي مع قادة بوركينا فاسو والنيجر، يواجه تحديات متعددة الجبهات: تصاعد السخط من التضييق على الحريات، عودة التوتر مع المتمردين في الشمال، وقلق المجتمع الدولي من خياراته السياسية. أما أغ غالي، فرغم صورته كقائد "أسطوري"، يبقى رجلاً مطارداً ومعزولاً عن شريحة واسعة من الماليين الذين يرفضون مشروعه المتشدد، كما أن تحالفاته الجهادية تبقى هشة وقابلة للتصدع.  

المعادلة اليوم لا تحمل في طياتها بوادر تسوية. غويتا يراهن على الصبر والحسم العسكري لإعادة فرض هيبة الدولة، فيما يصر أغ غالي على استنزاف النظام عبر حرب طويلة الأمد، جامِعاً بين الترهيب والبروباغندا لإظهار عجز السلطة. بين هذين المشروعين المتنافرين، تستمر معاناة الشعب المالي الذي يعيش منذ أكثر من عقد تحت وطأة نزاع دموي لم يترك مجالاً للسلام.  

هذا التحليل مستند إلى تقرير نشرته مجلة "Jeune Afrique"، التي تناولت في تحقيق مطول ملامح المواجهة المفتوحة بين الرجلين، وأبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية.