يُظهر آخر إصدار لمؤشر مدركات الفساد لعام 2024 أن الجزائر ما زالت عالقة في خانة الدول التي تعاني من فساد هيكلي عميق، رغم الخطاب الرسمي المتكرر حول مكافحة الرشوة وتعزيز الشفافية.
وفق بيانات «ترانسبرانسي إنترناشيونال»، حصلت الجزائر في مؤشر 2024 على 34 نقطة من 100، أي أقل بكثير من المعدل العالمي البالغ نحو 43 نقطة. هذا يضعها ضمن البلدان التي يُنظر إلى الفساد فيها كظاهرة متجذرة في القطاع العام. هذا المستوى يمثل تراجعًا طفيفًا مقارنة بسنة 2023 التي سجلت فيها الجزائر 36 نقطة، ويعكس استمرار حالة الجمود في مسار تحسين الحوكمة والشفافية. على صعيد الترتيب، تُصنَّف الجزائر في المرتبة 107 من أصل 180 دولة في تصنيف الفساد لسنة 2024. هذا الموقع المتأخر يؤكد ضعف قدرتها على ملاحقة الدول الصاعدة في مجال الإصلاح المؤسساتي.
تاريخيًا، يتأرجح أداء الجزائر في هذا المؤشر بين 26 نقطة كحد أدنى سنة 2003 و36 نقطة كحد أقصى في 2013، مع معدل عام يناهز 32 نقطة. هذا يدل على أن البلاد لم تعرف قفزة نوعية حقيقية في مكافحة الفساد منذ عقدين تقريبًا. تقارير متخصصة تشير إلى أن البلاد تواجه خصوصًا مشكلات بنيوية تتصل بتداخل السلطة والمال، وضعف استقلال القضاء، والبيروقراطية الثقيلة التي تفتح المجال واسعًا أمام ممارسات الرشوة والمحسوبية في الصفقات العمومية وتسيير الموارد الطبيعية. في السياق الإقليمي، تُظهِر قراءة مؤشر 2024 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الفساد ما زال مرتبطًا بأنماط الحكم السلطوية وضعف المساءلة. الجزائر جزء من هذا المشهد الذي يعرقل التنمية ويؤجج فقدان الثقة بين المواطن والدولة.
في مواجهة هذه الصورة السلبية، كثّفت السلطات الجزائرية خطابها حول مكافحة الفساد، مستندة إلى إصلاحات دستورية وقانونية في السنوات الأخيرة. التعديل الدستوري لعام 2020 عزز مكانة الهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، عبر تحويلها إلى مؤسسة دستورية ذات صلاحيات أوسع في تلقي التصاريح بالممتلكات، ومتابعة قضايا الإثراء غير المشروع، والتكوين والتحسيس. [11][12] كما تبنت الجزائر إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد للفترة 2023–2027، تهدف إلى خلق مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي مناهض للفساد، وترسيخ قيم النزاهة والمساءلة في الإدارة والمؤسسات العمومية والخاصة. وتشمل هذه المقاربة تعزيز القوانين المجرِّمة للرشوة واستغلال النفوذ، وتوسيع حماية المبلّغين، والتشجيع على ثقافة التبليغ عن التجاوزات داخل الإدارات.
رغم ذلك، يلاحظ خبراء الحوكمة أن أثر هذه الإصلاحات لا يزال محدودًا على مستوى المؤشرات الدولية، ما يثير تساؤلات حول الفجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي على الأرض. تقارير إعلامية جزائرية مستقلة اعتبرت أن حصول البلاد على 34 نقطة في مؤشر 2024 «يعكس واقعًا مقلقًا» في ما يتعلق بالشفافية والرقابة على المال العام، ويمثّل رسالة إنذار بشأن كلفة الفساد على الاقتصاد والثقة في المؤسسات. مؤسسات مالية دولية، بينها صندوق النقد الدولي، تشدد في تقييماتها الأخيرة على أن نجاح أي إصلاح اقتصادي في الجزائر يمرّ حتميًا عبر تقوية الحوكمة، وتقليص الهشاشة أمام الفساد، وتعزيز شفافية الإنفاق العام وعقود الطاقة. في هذا السياق، يتحول مؤشر مدركات الفساد إلى مرجع يُستخدم لقياس جدية الدولة في إصلاح منظومتها المؤسساتية، كما يصبح أداة ضغط غير مباشرة من جانب الشركاء الدوليين والمستثمرين الذين يراقبون بدقة بيئة الأعمال ومستوى المخاطر.
بهذه المعطيات، تبدو معركة الجزائر مع الفساد بعيدة عن الحسم؛ فالتقارير تثبت وجود تقدم طفيف لكنه هش، فيما تفرض التحديات البنيوية – من طبيعة النظام السياسي إلى بنية الاقتصاد الريعي – شروطًا قاسية لأي تحسن مستدام في المؤشرات الدولية.