ستة عقود من التجسس بين فرنسا والجزائر - 4/1

أضيف بتاريخ 11/26/2025
منصة الجنوبية

تاريخ العلاقات بين فرنسا والجزائر يحمل طبقات عميقة من الشك والتجاذب، تشكّلت على وقع حرب التحرير وأجهزتها السرّية، من الاختراقات النفسية إلى الاغتيالات الموجّهة. هذا المقال يضيء جذور تلك «الريبة» ويشرح كيف صارت جزءًا من الذاكرة السياسية والأمنية لدى البلدين.



المحتوى التالي مستند إلى تحقيقات وسلسلة بودكاست «La Loupe» الصادرة عن صحيفة L’Express، والتي أنجزها صحفيون في أرشيف الشرطة والـ«أرشيف الوطني» الفرنسي؛ يمكن الاطلاع على المصدر عبر موقع L’Express.


بدأت القصة مع تصاعد عمليات جبهة التحرير الوطني في منتصف الخمسينيات، وما رافقها من ردّ أمني فرنسي غير معلن. على خلاف ما يُفترض لخدمة الاستخبارات الخارجية، تولّى «سديك» (SDEC)، سلف «المديرية العامة للأمن الخارجي» (DGSE)، تنفيذ مهام داخل الجزائر. في عام 1957 أطلق «سديك» عملية نفسية واسعة عُرفت باسم «البلوييد»، صاغها الضابط بول-آلان ليجيه اعتمادًا على أسلوب «قلب العدو» عبر زرع الشك داخل تنظيم جبهة التحرير. النتيجة كانت حالة ذعر وتنقيات داخلية دامية؛ تُشير تقديرات إلى آلاف الضحايا، مع اكتشاف مقابر جماعية في مناطق نفوذ قادة ميدانيين مثل أميروش.

لم يكن «الاختراق» وحده. تكشف وثائق مُفرج عنها بعد نصف قرن عن برنامج اغتيالات مُحدَّدة الأهداف نفّذه «سديك» ضد ناشطين وقادة في جبهة التحرير وأحيانًا أقاربهم، ونُسبت علنًا إلى منظمة وهمية باسم «اليد الحمراء» لإبعاد الشبهة عن الدولة. سجّل صيف 1958 جدولًا بثمانٍ وثلاثين عملية بين 1956 و1958؛ نجح منها سبعة عشر وفُشلت أو أُلغيت أخرى، وشملت محاولات ضد شخصيات مثل أحمد بن بلة وجمال عبد الناصر، إضافة إلى اغتيال مصطفى بن بولعيد عام 1956، وعمليات في سويسرا وألمانيا ضد تجّار السلاح.

أعلنت اتفاقيات إيفيان في مارس 1962 وقف إطلاق النار وميلاد الجزائر المستقلة، لكن «أثر التجسس» لم يُمحَ. ترسّخت «الريبة» لدى الجزائريين من النوايا الفرنسية، وتحوّلت إلى عدسة تفسّر الوقائع حتى بعد الاستقلال. في المقابل، بنت الجزائر جهازها الخاص «الأمن العسكري (SM)» الذي راقب النشاط الفرنسي عن قرب؛ وثّقت أعمال تنصّت في مكاتب وزراء عام 1966، وحالات تعذيب انتهت بوفاة متعاونة اتُّهمت بالارتباط مع «سديك».

هذه الخلفية التاريخية ما تزال تُستدعى في الحاضر. عند كل أزمة سياسية داخلية في الجزائر، يتكرر خطاب «المؤامرة الفرنسية» ويُستحضر إرث «DGSE» لتوحيد الجبهة الداخلية. خلال توترات دبلوماسية أخيرة حول الصحراء الغربية، بثّت قناة عامة فيلمًا وثائقيًا يتهم دبلوماسيًا فرنسيًا بمحاولة تجنيد عنصر لاختراق أوساط جهادية؛ سردية تُعيد إنتاج ذاكرة الحرب والعمليات السرّية لتفسير الواقع الراهن.

إن فهم ستة عقود من التجسس بين فرنسا والجزائر يقتضي قراءة متوازنة: أجهزة عملت خارج المألوف، عمليات نفسية واغتيالات تحت ستار تنظيمات مُفتعلة، واتفاقيات سلام لم تُنهِ إرث الشك. هذه العناصر، مجتمعة، تشرح لماذا ظلّت العلاقة الأمنية محكومة بحسابات الماضي، ولماذا يستمر التاريخ في تشكيل السياسة اليوم.