الصحراء أولوية جديدة لواشنطن؟

أضيف بتاريخ 11/18/2025
عن جون أفريك

طوال عقود، ظلت الصحراء خارج جدول الأولويات الأمريكية. أُدرج المغرب العربي داخل "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الأوسع، بينما تمركزت بوصلة واشنطن حول أمن إسرائيل، وأمن الطاقة في الخليج، ومعادلة القوة مع إيران. كان النزاع الصحراوي مراقبًا من بعيد تحت مظلة الأمم المتحدة وديناميات إقليمية، مع دعم سياسي ثابت للمغرب دون حرص لحله.



دونالد ترامب كسر هذه العادة لثلاثة دوافع واضحة: ترسيخ هندسة اتفاقات أبراهام، كبح التمدد الصيني والروسي، وتأمين فضاء الساحل المنهار. عام 2020، اعترافه بسيادة المغرب جاء مقابل التطبيع بين الرباط وتل أبيب. ومع عودته إلى السلطة، يسعى إلى إحكام هذا "المفصل" الضروري لتوسيع ترتيباته الإقليمية.

إبراهيم أومنسور، مدير مرصد المغرب في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، يذكّر أن تزايد الاهتمام الأمريكي لا يجعل الصحراء "قضية حيوية بذاتها"، بل ملفًا يتقاطع مع عدة محاور في السياسة الخارجية الأمريكية. نزاع متجمّد في المغرب العربي يعقّد في آنٍ معًا تثبيت التقاربات حول إسرائيل، واحتواء القوى المنافسة، واستقرار الخاصرة الساحلية.

من هذا المنطلق، لا تريد واشنطن فتح ورش مؤسسي ملتبس أو المجازفة بنشوء دولة هشة باتجاه غير متوقع. يظهر الاستفتاء كخيار عالي المخاطر، بينما تُعدّ صيغة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية "الأكثر واقعية" بنظرها، حتى إن تعذّر فرضها على الجزائر.

منذ الربيع، غذّت ورقتان بحثيتان سردية "النهاية الوشيكة" للنزاع. واحدة صادرة عن مركز إسباني (Coordenadas) تعتبر 2025 نافذة تاريخية لإقرار الحكم الذاتي. وأخرى من معهد هدسون (Hudson Institute) المقرّب من الشبكات المحافظة الجديدة في واشنطن تدعو إلى ضغط أقصى على الجزائر لتصنيف جبهة البوليساريو "منظمة إرهابية أجنبية" ووقف تمويل "المينورسو" وتفكيك مخيمات تندوف. قراءات تميل صراحةً لمصلحة الرباط وتعكس مواقف أيديولوجية أكثر مما تعكس إشارات دبلوماسية قوية، فيما تستبطن الورقة الإسبانية هاجس مدريد التقليدي: البقاء محورًا في توازن مغاربي يعاد تشكيله.

هذه السيناريوهات بما يورده أومنسور عن موازين القوى الفعلية. خلال السنوات الخمس الأخيرة، تركزت الشراكات الأمريكية الأكثر تنظيمًا في المنطقة مع الجزائر، خاصة في الطاقة والاقتصاد والتعاون العسكري-الأمني. الروابط الاستخبارية وثيقة إلى حد أن الولايات المتحدة امتنعت عام 2022 عن تفعيل عقوبات طالب بها الكونغرس بسبب واردات الجزائر من السلاح الروسي، تفاديًا لدفعها أكثر نحو بكين وموسكو. تاليًا، لا تريد واشنطن كسر الجزائر، بل دفعها إلى تهدئة حدّية مع الرباط. هذا ما حملته رسائل مسعد بولص، مستشار الرئيس للشرق الأوسط وأفريقيا، بالدعوة إلى "سلام مستدام بين دولتين كبيرتين في المغرب العربي توحدهما التاريخ وتحديات القرن الحادي والعشرين" — مقاربة تقوم على الإقناع لا الإكراه.

على الأرض، هذه السيناريوهات بما يورده أومنسور عن موازين القوى الفعلية. فخلال السنوات الخمس الأخيرة، تركزت الشراكات الأمريكية الأكثر تنظيمًا في المنطقة مع الجزائر، خاصة في الطاقة والاقتصاد والتعاون العسكري-الأمني. الروابط الاستخبارية وثيقة إلى حد أن الولايات المتحدة امتنعت عام 2022 عن تفعيل عقوبات طالب بها الكونغرس بسبب واردات الجزائر من السلاح الروسي، تفاديًا لدفعها أكثر نحو بكين وموسكو. تاليًا، لا تريد واشنطن كسر الجزائر، بل دفعها إلى تهدئة حدّية مع الرباط. هذا ما حملته رسائل مسعد بولص، مستشار الرئيس للشرق الأوسط وأفريقيا، بالدعوة إلى العائد الروسي المتواضع في مالي والنيجر، وفي المغرب العربي توحدهما التاريخ وتحديات القرن الحادي والعشرين" — مقاربة تقوم على الإقناع لا الإكراه.

منذ مطلع العام، تواتر حضور مسؤولين أمريكيين في باماكو وواجادوجو ونيامي لطرح "حل أمريكي" ضد الجهادية. وبحسب مصادر دبلوماسية نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، تشمل بعض المقترحات تحييد قادة جهاديين مقابل وصول آمن للشركات الأمريكية إلى الليثيوم والذهب. موقع ميدل إيست آي يلفت إلى أن شركات خدمات عسكرية أمريكية خاصة مثل Berry Aviation وErickson منخرطة في المنظومة الساحلية (نقل تكتيكي، دعم لوجستي، إجلاء طبي). وبحسب تحليل بوبكر حيدرة، يتجاوز الرهان بُعد التعدين إلى كونه رهانًا استراتيجيًا شاملًا لواشنطن.

تندرج هذه الدبلوماسية الاقتصادية ضمن مشروع أوسع: تأمين "ممر أطلسي" يصل موارد الساحل بواجهات بحرية مستقرة، وفي مقدمتها السواحل المغربية. ميناء الداخلة الأطلسي العميق قيد الإنشاء يُخطَّط له كمنصة تصدير إقليمية تمنح دول الساحل الحبيسة (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) منفذًا حيويًا إلى الليثيوم والذهب. موقع ميدل إيست آي يلفت إلى أن شركات خدمات عسكرية خاصة مثل Berry Aviation وErickson منخرطة في المنظومة الساحلية (نقل تكتيكي، دعم لوجستي، إجلاء طبي). وبحسب تحليل بوبكر حيدرة، يتجاوز الرهان بُعد التعدين إلى كونه استراتيجيًا شاملًا لواشنطن.

تتعامل واشنطن مع الصحراء كتقاطع بين توازنات المغرب العربي وسباق الموارد في الساحل ومعركة النفوذ مع بكين وموسكو وطهران. خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لها مسارًا عمليًا، لكن بوابة التنفيذ تمر عبر تخفيف الاشتباك مع الجزائر، وحشد عوائد واقعية لشركاء الساحل، وبناء ممر أطلسي قابل للحياة. ما بين الواقعية الدبلوماسية واندفاعة مراكز التفكير، تبقى الكلمة الفصل لمعادلات القوة على الأرض.