جنوب إفريقيا تدخل موسمها السياسي الجديد وسط أجواء تغلب عليها الشكوك وهشاشة الوضع الاقتصادي، مع توالي إعلانات الإغلاق وتسريح العمال من كبريات الشركات. فبلد يعاني من معدل بطالة يبلغ 33 بالمائة، ترتفع نسبته إلى 45 بالمائة لدى الشباب، وجد نفسه الأسبوع الماضي أمام قرارات جماعية من شركات "فورد" و"غلينكور" و"أرسيلور ميتال" بإلغاء آلاف الوظائف، في وقت تكافح فيه القطاعات الصناعية للبقاء في بيئة صعبة.
وزيرة التشغيل والعمل، نوماخوسازانا ميث، لم تخف قلقها إزاء موجة التسريحات التي تتسبب في خسائر كبيرة، مؤكدة أن السياسات الحكومية وبرامج الدعم لا تكفي للحد من تسارع فقدان الوظائف. شركة "أرسيلور ميتال" وحدها ستغلق أبوابها نهاية شتنبر، ما يعني ضياع أكثر من 3500 منصب، فيما أعلنت "فورد" إلغاء 474 وظيفة إضافية، بعد أن سبقت "غوديير" في يوليوز الماضي إلى تسريح 900 مستخدم، و"مرسيدس بنز" إلى التخلي عن 700 منصب في 2024.
هذا النزيف يعكس تراجع وزن الصناعة في الاقتصاد، حيث انخفضت مساهمتها من 23,5 بالمائة سنة 1994 إلى 13 بالمائة حاليا، بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج، تضخم متسارع، وانقطاعات مستمرة للكهرباء. شركة الكهرباء العمومية "إيسكوم"، المثقلة بديون وفضائح فساد، لم تعد قادرة على ضمان انتظام التزويد الطاقي، في حين تسجل "ترانسنيت" تراجعا حادا في قدرات النقل بالسكك الحديدية والشحن البحري، ما انعكس على الصادرات وجعل الموانئ من بين الأقل كفاءة عالميا.
الأوضاع تعقدت أكثر مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية بنسبة 30 بالمائة على الصادرات الجنوب إفريقية، ما يشكل ضربة إضافية لقطاع يعاني أصلا من خسائر متراكمة. النقابات حذرت من "كارثة صناعية" تلوح في الأفق إذا واصلت كبرى الشركات تقليص أنشطتها، فيما اعتبر حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية" أن ما يجري هو "تفكيك ممنهج للقاعدة الصناعية"، متهما الحكومة بالتقصير في حماية فرص العمل.
البعد الاجتماعي للأزمة يظل الأكثر خطورة، حيث يبلغ عدد الشباب غير المندمجين في الدراسة أو الشغل أو التكوين 3,8 ملايين، وهو ما وصفه نائب الرئيس بول ماشاتيلي بـ"حالة طوارئ أخلاقية". وبالرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عشرة أحزاب بعد تراجع هيمنة المؤتمر الوطني الإفريقي، فإن التحدي الأساسي يبقى تلبية انتظارات جيل محبط، يعتبر ثمانية من كل عشرة منه أن بلاده تسير في الاتجاه الخاطئ، وفق استطلاع لمؤسسة "إيبسوس".
في انتظار الانتخابات المحلية المقبلة، تبدو جنوب إفريقيا أمام اختبار سياسي واقتصادي عسير، يضع القادة الجدد أمام معضلة الحفاظ على الاستقرار ومنع انفجار اجتماعي في بلد يترنح تحت عبء أزمات متداخلة.