في قلب جنوب إفريقيا، تشهد الساحة العامة تصاعدًا مقلقًا لموجة من الكراهية المؤسّسة على الانتماء الجغرافي واللون، تستهدف المهاجرين السود القادمين من الدول الإفريقية المجاورة. في طليعة هذه الموجة، يقف "حراك عملية دودولا" (Opération Dudula)، وهو تجمّع شعبي يتبنّى خطابًا قوميًا متشدّدًا يحمّل الأجانب مسؤولية التدهور الاجتماعي والاقتصادي الذي ينهك البلاد. في مشهد يعيد إلى الأذهان حقب التمييز العنصري، يتحوّل الحق الدستوري في الاستفادة من الخدمات الصحية العامة إلى فضاء للمزايدة السياسية والتمييز الممنهج.
منذ 2022، وبتنظيم دقيق في الأحياء الهامشية، يعمد مناصرو "عملية دودولا" إلى التجمهر أمام المستشفيات والمرافق العامة، مانعين دخول مرضى يُشتبه في كونهم أجانب، وفق معايير سطحية مثل اللغة أو النطق أو حتى اللكنة. مستشفى كالافونغ بضاحية بريتوريا شكّل أحد أبرز مسارح هذه التجاوزات، حيث تم حجب العلاج عن مرضى فقط لأنهم لا يملكون وثائق محلية أو لأن ملامحهم لم تنسجم مع "النموذج الوطني" المفترض. ورغم الإدانات الحكومية، إلا أن هذه الخطابات والأفعال تواصل التمدد في فراغ سياسي واجتماعي يفتقر إلى حلول بنيوية للأزمة.
الرئيس سيريل رامافوزا حاول تهدئة الرأي العام، مذكّرًا بأن الدستور لا يميز بين المواطنين والمهاجرين في ما يتعلّق بالحق في العلاج، ومعترفًا بوجود تجاوزات تمس حقوق الإنسان الأساسية. إلا أن هذه التصريحات تبقى محدودة الأثر في ظل نزعة متصاعدة لتسييس ملف الهجرة، واستثماره من قبل فاعلين يسعون إلى تجييش الفئات المتذمّرة من تأزّم الاقتصاد. بمعدلات بطالة تتجاوز 32%، وتبدد الأمل لدى شرائح واسعة من الفئات المهمّشة، أصبح المهاجر الحلقة الأضعف والأسهل استهدافًا في معادلة اجتماعية مأزومة.
أغلب الضحايا ينتمون لدول جنوبية كزيمبابوي وموزمبيق والكونغو الديمقراطية وليسوتو، وهم يمثّلون جانبًا مهمًّا من اليد العاملة في القطاعات غير المهيكلة. لكن خطاب الكراهية المتسارع يصوّرهم كمتسلّلين ينهبون الموارد ويزاحمون السكان الأصليين في المستشفيات والمدارس وفرص الشغل. هذا التصوير لا يأتي من الهامش فقط، بل تغذّيه قطاعات من الطبقة السياسية التي توظّف المعاناة اليومية للمواطن كذريعة لتبني قوانين هجرة أكثر صرامة، في تجاهل تام للتعقيد التاريخي والاجتماعي الذي يربط جنوب إفريقيا بجيرانها.
في هذا السياق المشحون، يتحول المهاجر الإفريقي الأسود من فرد في رحلة بحث عن الكرامة، إلى هدف سهل لتعبيرات الغضب الشعبي. الإصلاح الحقيقي لا يمر بإقصاء هؤلاء، بل بإعادة الاعتبار للقيم الدستورية الجامعة، والسعي لتجاوز خطاب الاختزال والاختلاق الذي يستبدل الحلول الحقيقية بشعارات عنصرية خطرة على مستقبل التعايش وركائز الديمقراطية الحديثة.