يشهد ملف الصحراء المغربية تحولات جيوسياسية غير مسبوقة، مع تصاعد الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007. لم تعد هذه المبادرة مجرد مقترح دبلوماسي، بل أصبحت اليوم محور إجماع دولي، خاصة بعد الموقف البريطاني الأخير الذي انضم إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا في اعتبار الحكم الذاتي "الحل الوحيد الواقعي والدائم" للنزاع.
هذا الدعم تزايد، وانسحب العديد من الدول من الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" المعلنة من طرف جبهة البوليساريو. إذ أن أكثر من 85% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لم تعد تعترف بها، ما أدى إلى عزل البوليساريو دبلوماسياً وإضعاف موقف الجزائر، الداعم الرئيسي لها.
خطة الحكم الذاتي المغربية، التي أُودعت رسمياً لدى الأمم المتحدة، تنص على منح الأقاليم الجنوبية برلماناً إقليمياً منتخباً، وحكومة محلية بصلاحيات واسعة في مجالات التعليم، الصحة، التنمية والثقافة، مع احتفاظ الدولة المغربية بالصلاحيات السيادية كالدفاع والدبلوماسية والدين. هذا النموذج يقترب من الأنظمة الفيدرالية المعتمدة في إسبانيا أو ألمانيا، ويمثل تحولاً مع المركزية الشديدة التي طبعت الدولة المغربية منذ الاستقلال.
التحول الأمريكي، خاصة منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عزز هذا الزخم الدبلوماسي. إذ تؤكد واشنطن أن لا حل للنزاع خارج إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وتدفع نحو إدراج هذا الخيار كمرجعية وحيدة في قرارات مجلس الأمن المقبلة. ويواكب هذا التحول انخراط دول أفريقية كغانا وكينيا، ودول أوروبية ولاتينية، في دعم المقاربة المغربية، مع تزايد فتح القنصليات في مدن الصحراء وتكثيف مشاريع التنمية المشتركة.
هذه الدينامية الدولية تضع جبهة البوليساريو وحلفاءها أمام عزلة متزايدة، وتفرض على الأمم المتحدة إعادة النظر في مقاربتها التقليدية للنزاع. كما أنها تفتح الباب أمام إصلاحات مؤسساتية داخل المغرب، إذ أن منح الصحراء حكماً ذاتياً سيعني بالضرورة تعميم النموذج على باقي الجهات، ما قد يؤدي إلى تحول عميق في بنية الدولة المغربية نحو مزيد من الجهوية والديمقراطية المحلية.
في ظل هذا التحول، يبقى مصير النزاع رهيناً بقدرة الأطراف على مواكبة هذه المتغيرات. كما يعتمد على مدى استعداد الجزائر والبوليساريو للانخراط في مسار جديد قائم على الواقعية والتسوية السياسية. هذا يحدث في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لإنهاء نزاع طويل الأمد وتكبدت المنطقة بسببه خسائر تنموية وجيوسياسية جسيمة.