تثير المواقف المتناقضة للجزائر حول قضية الصحراء تساؤلات عميقة حول مصداقية خطابها الرسمي. فبينما تصر الحكومة الجزائرية مراراً وتكراراً على أنها "ليست طرفاً" في النزاع، تكشف الوقائع على الأرض صورة مغايرة تماماً.
فمنذ سبعينيات القرن الماضي، لم تتوقف الجزائر عن التدخل المباشر في هذا الملف، سواء من خلال الدعم العسكري واللوجستي للبوليساريو، أو عبر الحملات الدبلوماسية المكثفة في المحافل الدولية. وتخصص الجزائر ميزانيات ضخمة وموارد هائلة لدعم أطروحة الانفصال، في تناقض صارخ مع ادعاءاتها بالحياد.
ولعل أبرز مظاهر هذا التناقض يتجلى في استضافة الجزائر لقيادات البوليساريو على أراضيها، وتوفير معسكرات التدريب والتسليح، مع الإصرار في نفس الوقت على نفي أي دور لها في النزاع. كما أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وإغلاق الحدود البرية يكشف حجم التورط الجزائري في القضية.
إن هذه السياسة المزدوجة تقوض جهود التسوية السلمية وتطيل أمد النزاع، في وقت تحتاج فيه المنطقة المغاربية إلى التكامل والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة. فكيف يمكن للجزائر أن تدعي الحياد وهي تنفق المليارات على تأجيج النزاع وعرقلة الحلول السياسية؟
أما على المستوى الدبلوماسي، فتستخدم الجزائر نفوذها وعلاقاتها الدولية للضغط ضد أي حل لا يتوافق مع رؤيتها، مستغلة مواردها النفطية كورقة ضغط في العلاقات الدولية، في حين تنفي رسمياً أي تدخل في المسألة.
وتبقى المفارقة الكبرى أن الجزائر، التي تطالب بحق تقرير المصير في الصحراء، ترفض منح نفس الحق لشعب القبائل وغيرهم من الأقليات على أراضيها. هذه الازدواجية في المعايير تؤكد أن موقف الجزائر من قضية الصحراء يندرج ضمن استراتيجية جيوسياسية أوسع، وليس دفاعاً عن مبادئ حق تقرير المصير كما تدعي.